تشققت، والمبانى تهدمت، والصخور تقطعت، والمياه من خلال الأرضين تفجرت، ومادت الأرض بمن عليها، وماجت المساكن بساكنيها، وتشعثت الأسوار والأركان، وثار الصراخ بكل مكان، وخرجت النساء حاسرات إلى الطرقات، وظن الناس أنها إماتة الأحياء وقيامة الأموات، وابتهلوا إلى رب السموات لما عراهم من المخافات، فأدركتهم رأفته، وأنقذتهم رحمته بأن سكّن [٢٩٨] زلزالها، وخفّف أهوالها، ولو دامت ثلث ساعة من النهار لم يبق على الأرض دار ولا ثبت بها جدار، فكان تقصير مسافتها وتخفيف آفتها لطفا من الله بعباده، ومنّة على ساكنى بلاده، وأثرت فى البحرين العذب والأجاج، وأثارت فيهما الأمواج، وارتج كل منهما غاية الارتجاج، وكان تأثيرها قويا جدا بالإسكندرية والنواحى الغربية، وهدمت بالثغر أكثر الأبراج والأسوار، ورمت جانبا وافرا من المنار، وفاض البحر المالح وطمىّ، وتعطمط الماء وأغرق قماش القصارين، وكسر قوارب البحارين، وقطع مراسى المراكب الفرنجية وطرح أكثرها إلى الأسوار والشعاب.
ولما عاين أهل الثغر هيجان البحار، وانهدام المنار، وتساقط المآذن والأسوار وتناثر الأحجار من الجدران، وتداعى الأركان المشيدة البنيان، بادروا مسرعين وخرجوا من باب السدرة هاربين، ولما سكّن الله حركتها، وأذهب رجفتها، تراجعوا إلى أماكنهم، وعادوا إلى مساكنهم.
وتواترت الأخبار، فإن الزلزلة المذكورة كانت قوية الأثر فى البلاد الغربية والجزائر البحرية، وجهات الفرنجية، وأنها أيضا حدثت فى تلك الساعة وذلك النهار ببلاد الكرك والشوبك والسواد وتلك الأقطار.