وهو جسر كان أنشأه بين ملقة صندفا وبين أرض سمنّود. وكان فى آخر عمره عرض له وجع المفاصل، فدخل على الأمراء أن يعفوه عن الولايات. فأعفى وأقام فى بيته إلى أن خرج السلطان إلى لقاء العدو، فتجهّز للسفر. فقيل له:
إنك ما تحمل على الركوب على الخيل، فلم يسمع كلامهم [٣١٣] وما زال راكب المحفّة إلى أن قامت الحرب، فركب فرسه وهو فى غاية ما يكون من الألم ورجلاه متورمتان. فقيل له: أنت ترمى نفسك للموت. فقال. ويلكم لمثل هذا اليوم كنت أنتظر، وإلا كيف يخلّص القشاش نفسه من ربّه. فرفص فرسه وحمل عليهم ورمحه فى يده. ووصل إلى صدر العدوّ وكأنه ليس به ألم، فلم يزل يقاتل حتى قتل، ووجد فيه نحو من ست جراحات، رحمه الله.
الشيخ نجم الدين أيوب (١) الكردى، قتل فى هذه الوقعة.
وكان قد ورد من البلاد فى سنة سبع وثمانين وستمائة، ومعه جماعة من الأكراد، وأقام بدمشق مدة سنتين، ونال من أمرائها حظا كبيرا. وظهرت له أمور من المكاشفات والصلاحية. وكان لا يدخل إليه أمير إلاّ ويطالبه بالهدية، ولا بد أن يحمل له شيئا من الدنيا، واتبعوا أمره فى ما يأخذه، فوجدوه يتصدق به ولا يدخره. ثم رحل إلى مصر ويوم عبوره حصلت له معرفة مع ابن قرمان المذكور. فأخذه إلى بيته. ثم بنى له زاوية بجوار بيته. وأقام فيها إلى أن خرج السلطان للقاء العدو، فخرج معهم. ولما التقوا بالعدو كان راكبا بآلة الحرب، واقفا إلى جانب ابن قرمان، فقتل معه، ثم دفنا جملة واحدة،
(١) وله أيضا ترجمة فى: الدرر ج ١ ص ٤٦٤ رقم ١١٤٥، النجوم الزاهرة ج ٨ ص ٢٠٦.