وأخبره بوصول المراكب سالمة إلى جدة، فرسم بحمل ما فيها، ثم سيّر إلى بيوت أهل مكة وطلب الجمع، الجليل منهم والفقير، وأعطى لهم من الذهب والفضة والغلة مؤنة سنة حتى لم يبق فى مكة لا كبير ولا صغير، ولا شيخ ولا شاب، ولا فقير ولا غنى، ولا شريف ولا عبد إلاّ وقد حصل له من ذلك شئ، ولما فرغ من ذلك طلب الحاج من الزيلع وفرق عليهم من الذهب والفضة والغلة والسكر والحلواء شيئا كثيرا، وكان الزيلع تطوف بالبيت ويقولون فى طوافهم: يا سلاّر كفاك الله همّ النار، ثم سيّر المباشرين إلى جدة وفعلوا بأهلها كما فعل هو بأهل مكة.
ولما أتم سلاّر حجّة ركب إلى المدينة، وعند وصوله وادى بنى سالم وقفت العرب التى بالجبال التى هناك، وعبثوا على الحاجّ، وأخذوا أطرافهم، ونهبوا جمالا كثيرة، فركبت الأمراء عليهم وقاتلوهم بالحجارة ساعة، فانهزموا، فتبعوهم إلى الجبال، وأخذوا منهم خمسين نفرا، وجرحوا منهم جماعة، وأحضرهم الأمير سيف الدين سلاّر إلى المدينة واستفتى العلماء فيهم، فأفتى الجميع بقوله تعالى:{إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ}(١). الآية، فأمر عند ذلك بقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف.
قال الراوى: وبلغنى ممن حضر هذه القضية، أنه من الخمسين، صبىّ ما دون البلوغ، فرحمه الأمراء، وسألوا سلاّرا بإطلاقه، فأمر بإطلاقه، فقال:
لا والله لست أكون سالما دون أبى وأخى وأصحابى ولى أسوة بهم [٣٣٨]، فأمر عند ذلك بقطعه، فتعجبت الناس من قوة نفس هذا الصبىّ.