ولما وصل سلاّر مصر أراد مباشروه أن يرفعوا حساب ما نفق فى هذه السفرة فلم يرض بذلك، وقال: مال أنفقناه فى سبيل الله من وجه حل، فنرجو قبوله، ولا ينبغى أن نحاسب فيه.
ومنها أن الأمير سيف الدين أسندمر نائب طرابلس كتب إلى السلطان والأمراء أن أميرا من أمراء طرابلس يقال له سيف الدين بالوج الحسامى - من مماليك لاجين - أساء عليه الأدب فى دار السلطنة بحضور الأمراء كلهم، وأخرق حرمة السلطنة، فالمسؤول تأديبه، فكتب السلطان بأن يطلبه قدام الأمراء ويأخذ سيفه ويحبسه، فلما وصل إليه الكتاب طلبه وأخذ سيفه وأهانه وحبسه.
وكان السبب فى ذلك أن شخصا من السمرة (١) كان يتحدث فى ديوان النائب ويتّجر له فى سائر الأصناف، فطغى بسبب ذلك حتى صار يركب الحجورة العربية بالسروج المحلاة بالذهب والفضة، ولم يدع كلاما لأحد فى طرابلس حتى صار يحكم فى الجيش، وحصّل أموالا عظيمة له وللنائب، وتألم منه أهل طرابلس ألما عظيما، ولم يخلّوا أحدا من الأمراء حتى شكوه إليه، ولم يكن أحد منهم يجترئ أن يبلغ ما يفعله للنائب إلى أن تزايد أمره وفشى طغيانه، ثم إن بالوج المذكور اتفق مع الأمراء على أنه يتحدث مع النائب بسبب ذلك بشرط أن يساعدوه عند فتح الكلام، فاتفقوا على ذلك، ولما حضروا يوم الموكب للخدمة شرع الأمير بالوج وفتح الكلام، وقال: يا خوند أهل طرابلس جميعهم يشكون من هذا السامرى، وعندهم ألم كثير وضرر عظيم بسببه. فالتفت إليه النائب
(١) السمرة أو السامرة؛ طائفة من اليهود، وهم أتباع السامرى الذى أخبر الله تعالى عنه بقوله فى سورة طه آية ٨٥ (وأضلهم السامرى) - صبح الأعشى ج ١٣ ص ٢٦٨ وما بعدها.