للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه ليلة العيد، تصّدق على هذا المسكين وارسم بخلاصه. فقال له سلار:

يا أبى أنت غافل عما فعل هذا، والله والله أنت تعلم محلك عندى، لو كان هو إلى اليوم باقيا فى الوزارة ما كنت أنا ولا أنت فى الحياة، وأنا أعرفك به، فإن كان ذهبه (١) يسيرا وأمرت لى بخلاصه أخلّصه، ثم شرع يحدثه ما فعله فى غيبته، وكيف راح إلى الإسكندرية، وكيف اجتمع مع السلطان وتكلم معه شيئا كثيرا، ومن جملة ما قال: أش هم هؤلاء وأراد به إيانا، فأى وقت اشتهيت مسكتهم مثل الكلاب، واتفق معه على أمور كثيرة فى الفساد والإيقاع بنا، وجسّر السلطان على أمور ما كانت فى نفسه، وهذا الرجل قد قصد فتنة كبيرة بين المسلمين، والله عز وجل يقول: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} (٢). فإن كنت تختار أن نطلقه، نفرج عنه، قد عرفتك ذنبه، فلما سمع بيبرس ذلك منه تحقق أن سلار ما يفعل كذبا. فقال له: من يرمى فتنة بين المسلمين يستحق هذا وأنحس منه، ثم قام من عنده وشرع فى تجهيزه إلى الحجاز الشريف.

ولما استهل شهر ذى القعدة: ركب الأمير بيبرس والأمراء صحبته، وأمر لمشد الدواوين بعقوبة ناصر الدين المذكور وضربه بالمقارع، فأقام يعاقبه سبعة أيام، وتوفى بعدها من ألم الضرب، وكان فيه عصبية ومروءة وأريحية، وكان ينبعث للخير، وله كتابة حسنة، ومعرفة بالحساب.

قال صاحب النزهة: وكان أصله من بلاد ماردين، وكان قدم إلى الديار المصرية مع رسل السلطان أحمد وقاصد صاحب ماردين، وكان ماشيا طول


(١) هكذا بالأصل، ولعلها «ذنبه» - انظر ما يلى.
(٢) جزء من الآية رقم ١٩١ من سورة البقرة رقم ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>