الدواوين كل يوم يخرجه وينكل به، وكان فى نفسه منه شئ كثير لما سبق له من إهانته إياه وتكبّره عليه، وجلس يوم الثلاثاء فى الصناعة، وسيّر وراءه من أحضره من القلعة، وهو راكب حمار وعليه أربع رسل، ودخلوا به إلى سوق مصر ونواحى أسواق الصناعة، فقامت إليه أهل مصر وصاحوا عليه وسبوه ولعنوه وأرادوا أن يرجموه، فمنعهم من ذلك مماليكه، فبلغ ذلك سلارا وكان يعلم أن الأمير بيبرس ممن يعينه ويساعده، وبقى ينتظر أن بيبرس يفتح معه كلاما فى حقه فلم يتكلم بشئ فى حقه.
ثم أقاموا أياما إلى العشر الأول من شهر رمضان [٣٤٤] يتشاورون فيمن يولّوه وزيرا يدبّر أمر الدولة، فاقتضى رأيهم وزارة القاضى سعد الدين بن عطايا، وسنذكر توليته (١)، وقد ذكرنا أن ناصر الدين هذا كان قد تزوج بامرأة الأمير سيف الدين بهادر رأس نوبة، وسكن فى بيتها المجاور لمشهد الحسين رضى الله عنه، وكانت أولادها جركتمر وأمير على وخليل أولاد بهادر خصيصين بخدمة الأمير بيبرس، وكانوا يسعون لناصر الدين عند بيبرس، وبيبرس تارة يجيبهم، وتارة ما يردّ عليهم كلاما، ومع هذا كان لبيبرس عناية لناصر الدين فى الباطن، ولكن كان يعلم أن سلارا يكرهه، ولا يريد أن يعارضه فى أمر يفعله هو.
وبقى الأمر على هذا إلى ليلة عيد الفطر، وطلعت زوجته إلى بيت بيبرس، ودخلت على أهله فى أمر زوجها ناصر الدين، وتكلمت امرأة الأمير بيبرس معه فى أمره، فوعد لها بأن يتكلم فى خلاصه، ولما جلست الأمراء فى الشباك، وهنّوا نائب السلطان سلارا، فتح الأمير بيبرس معه الكلام فى أمره وقال: