مكر وخداع، ثم قال له ما ذكر [السلطان له](١) من أمر الصيد، فقال بيبرس: مصلحة، لأنه محصور في هذه القلعة، فأخذوا في إصلاح أمورهم للصيد، وفي اليوم الثاني جاء سلار وأعلم السلطان بأنه تجهز أمرهم للصيد.
فقال: اخرجوا بنا إلى ناحية الصعيد فإن في قلبي منه، فساروا وطلبوا نحو الصعيد، ولما توسطوا البلاد اشتغلوا بالصيد، وجاءتهم التقادم من العربان وانفرد السلطان بمماليكه، فبينا هو سائر إذ مرّ بقرية خراب، فخرج إليه منها عشرة أنفس من الفلاحين وقدامهم شيخ كبير، فلما رأوا السلطان باسوا الأرض ودَعوا له واشتكوا من الجور والظلم، فوقف لهم السلطان وقال لهم: مَنْ ظلمكم؟ فقالوا: يا خوند، ظلمنا سلّار. فقال: وكيف؟ فقالوا: هذه القرية خاصّ للسلطان، وعمّر هو إلى جانبنا قريةً ورمى علينا من السخر والكُلَف ما لا طاقة لنا به، ثم إنه نادى في البلاد بحماية قريته، فهرب جميع فلاحى هذه القرية إليها، وخربت أملاكهم، وبقي الخراج علينا بالكلف والسخر مثلما كان في أيام عمارتها، ونحن عاجزون عن ذلك، وكنا نستنظر هذا اليوم، إما تكشف ظلامتنا أو نحتمي نحن مثل هؤلاء، فطيب السلطان خاطرهم وانصرف عنهم وهو حائر ما يدري ما يصنع.
ثم إنه كلما مر على قرية عامرة كأنها مدينة يسأل عنها هي لمن؟ يقولون: هي لسلار أو لبيبرس، وكلما مر على قرية خراب يسأل عنها هي لمن؟ يقولون: هي للسلطان.
فقال السلطان: أنا خرجت حتى أزيل عني الهم، وقد حملت فوق همي هما آخر، والله لقد أحزنني ما رأيت وبقى في صيده أيامًا، ثم رجع.
ولَمَّا دخل شهر رجب من هذه السنة طلب سلارا وبيبرس وقال لهما: إني قد عولت على الحجاز الشريف والحج إلى بيت الله الحرام، فماذا تقولان؟ فقالا: إذا رُحْتَ
(١) السلطان له السلطان: في الأصل، والتصويب يتفق مع السياق.