للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناس، ولكن في قلبه نار بعدم تمكنه منهم.

ثم جاء إليه سلار وبيبرس وغيرهما، فقبلوا الأرض ووقفوا بين يديه، فخلع عليهم ولم يحدثهم بما كانوا فيه، بل قال لهم: على كل حال ما أعرف أحدًا رباني إلا أنتم، فجزاكم الله عني خيرا، فباسوا الأرض وخرجوا، وفي قلبه منهم شيء عظيم.

ثم إن السلطان بقى في الفكر ليلًا ونهارًا فيما يريد ويصنع حتى إنه اصفر لونه وتغير ذاته، فقال له مملوكه أرغون الدوادار: لا يحمل مولانا السلطان على قلبه همًا ففي أضيق ما يكون يأتي الله بالفرج، فقال: يا أرغون والله الموت أهون عليّ من هذا، فأين السلطنة؟ فلا أقدر على إعطاء ومنع، ولا على [كشف] (١) ظلامة أحد، فإش يكون أعظم من هذا؟ ثم أنشد:

ألَا موت يُباع فأشتريه … فهذا العيش ما لا خير فيه

ولو أبصرت قبرًا في فلاةٍ … وددت بأن أكون مما يليه

فقال: يا أرغون اكتم ما معك، فسوف ترى ما يكون.

ثم إن السلطان كل قليل يخلع على سلار وبيبرس ويُريهما أنه وَطَّن نفسه على كل ما يريدانه، فقال في يوم من الأيام لسلار: قد عولت على الصيّد، فقال سلار: [المرسوم] (٢) مرسوم مولانا السلطان، فقال له السلطان: أنا من اليوم ما بقيت أعمل شيئًا حتى أشاورك، فإن رأيته مصلحة وإلا تركته، لأني تحققت ما تريد لي إلا خيرًا، فباس الأرض وخرج من عنده واستجمع بالأمير بيبرس وهو يضحك.

فقال له: مالك؟ [فحكى] (٣) له الحكاية، فقال بيبرس: ما أخوفني منه فإنه صاحب


(١) شفه: في الأصل، والتصويب يتفق مع السياق.
(٢) الموسوم: في الأصل.
(٣) فأحكي: في الأصل، والتصويب يتفق مع السياق.

<<  <  ج: ص:  >  >>