الركوب لأجل المرض، فلما أفاق المملوك من مرضه جمع خشداشيته وحلفوا لمولانا السلطان، فقلت لهم: قوموا بنا نروح إليه، فنحن ما يقوم لنا صورة لأن ما فينا رأس نتبعه، فسمع بذلك بيبرس وأراد أن يقبض علينا، فخرجنا من القاهرة على حمية، ثم سَيَّر خلفنا أخا سلار سُمُك ومعه أربعة آلاف فارس، فلحقونا في كورة العباسة (١) وجرى له معنا كذا وكذا، ولم يزالوا خلفنا إلى العريش، فقال له السلطان: ومن جاء معك؟ قال ملغطاي القازانى وثلاثمائة مملوك، فقال له السلطان: يا نُغيه كيف خلفت قلوب الأمراء والرعية؟ فقال: الناس كلهم داعون لمولانا السلطان ومنتظرون له.
وفي تلك الساعة ركب السلطان وسار يطلب الكرك، ونُغيه إلى جانبه، وقد أركبه جنيبًا من جنائبه، وهو يحدثه ويبشره برجوع المُلْك إليه، إلا أن السلطان لما سمع أن أخا سلار جاء خلفهم داخله الريب، وقال في نفسه: لا يكون حيلة دبروها عَلَيَّ. ليحيلوا بيني وبين الكرك، فساق سوق المستعجل، ولما أشرف على الكرك ركب مغلطاي القازاني بمن معه، فلا عاينوا السلطان ترجلوا وباسوا الأرض، وجرى مغلطاي وباس يد السلطان، فأركبه جنيبا من جنائبه وطيب قلبه وقلوب مَنْ معه، ووعد الجميع بكل خير، ولم يزالوا قدامه حتى طلع السلطان إلى الكرك.
ونزل نُوغيه ومغلطاي ومن معهما في وطاقاتهم وأمر السلطان بالإقامات والعلوفات لهم، وباتوا تلك الليلة، ولما أصبحوا طلبهم السلطان، فحضروا وباسوا الأرض ودعوا له، فأمرهم بالجلوس وخلع عليهم، ثم قَرَّب الأمراء والأكابر إليه، فشاورهم فيما يصنعون، فقال نغيه: من ذا الذي يعاندك ويقف قدامك والجميع مماليكك؟ والذي خلق الخلق إذا كنت معي ألتقى وحدى كل مَنْ في مصر والشام، فقال له السلطان: صدقت فيما قلت، ولكن مَنْ لم ينظر في العواقب ما الدهر له بصاحب.
وقال ابن كثير: ووصل المتوجهون إلى الكرك إلى الملك الناصر في الحادي
(١) العباسة: بليدة أول ما يلقى القاصد لمصر من الشام، تنسب إلى قصر أنشئ للعباسة بنت أحمد بن طولون، ينظر معجم البلدان.