للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال بيبرس في تاريخه: ولما وصل السلطان إلى البرج الأبيض كما ذكرنا رأى أن الرأي قبل الشجاعة، وأن في الأمثال السائرة: الشجاعة صبر ساعة، فخطر بباله أن يعود، فعاد، وكان ذلك من وجوه الحزم والسياسة التي دبرها بفكرته وما اهتدى إليها [الذين] (١) كانوا في خدمته، بل تتمت أفكارهم لرجعته وظنوا رجوعًا إلى التأخير أو جنوحًا إلى التقصير، فتبرموا وتندموا وتفاوضوا فيما بينهم، وتكلموا، وقالوا: إن السلطان قد عاد وعساكر مصر في التجهيز والاعتداد، ومتى ما جاءوا إلينا وقع الصلح علينا، ويسلمنا إليهم بأيدينا، والمصلحة أنَّا ننظر في أمرنا ونحتال في خلاص أنفسنا، فهذه أمور غير مرضية لنا (٢):

غابت عواقبها عنهم وما علموا … ما يعلم الله في العُقْبى من الخير

حتى بدا عن قليل وجه حكمتها … كما حكى الله عن موسى مع الخضر

فاهوا بأشياء ما يدروا مغَّبتها … وكان ذلك من مستحكم الضَّجَر

واتصل بالسلطان كلامهم، فبقي في باطنه كامنًا، وفي كمينه باطنًا، وأظهر المظفر العزم على تجهيز العساكر والجد في لقاء الملك الناصر، ونحن نلوح له إن هذا موقف الندامة، [ونشير] (٣) عليه بأن في المسألة السلامة، ولسان الحال ينشد قول أبي أسامة:

فيا ابن أسيد لا تُسام ابن حاتم … فتقرع إن سَامَيْتَه كفَّ نادم

هو البحر إن كلفت نفسك خوضه … تهالكت في آذيه المتلاطم

وعَيَّن طائفة ثانية من بطانته للإمرة، يقصد بذلك الكثرة.


(١) الذي: في الأصل.
(٢) ينظر ما ورد في التحفة الملوكية ١٩٥ - ١٩٦.
(٣) ويشير: في الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>