ثم إنهم جدوا السير في قفار وبراري ليس بها أنيس إلا النعام مع الغيلان، لا ينزلون إلا لأكل الدواب وقضاء الحاجة، وكلهم ركاب الهجن، وبعض الخيل مجنبة، وأما ناقة النجاب مقلزون فإنها أربعة أيام لا أكلت ولا شربت، فخاف عليها تمر، فقال النجاب: لا تخف يا أمير، فإن جنسها يسمى الصوامات، إذا أبصرن البرية لا يأكلن ولا يشربن حتى يقطعوا المفاوز، وفيها من تبقى سبعة أيام لا تأكل ولا تشرب.
وفي اليوم الخامس رحل النجاب بهم بعد غروب الشمس، فقال: يا أمير نحن في نصف الليل نكون في العباسة، ففرح تمر وأمرهم بالنزول، فنزلوا وعلقوا، ثم ركبوا فسار بعض شيء حتى قال له: هذه العباسة وأراضيها، فساروا إلى جانب ما هناك، فنزلوا فيه، وطلب تمر مقلزون وقال: خذ هذا الرجل وأوصله على هذا الهجين ولا يصبح الصباح إلا وأنت على المحرس، ثم تعود إلينا بالهجن، فركب، وركب بهاء الدين عمر الأزقي، وسارا طالبين المحرس، وقد جعل تمر الساق بينه وبين الأزقي علامة، وقال له: إذا وصلت إلى المحرس سَيِّر إلىَّ هذه العلامة، ثم أخذه مقلزون وسارًا، فلم يأت الثلث الأخير إلا وهما في المحرس، فنزل الأزقي عن الهجين، وسلمه إلى مقلزون، وأرسل العلامة معه.
قال الأزقي: وسرت أنا طالبًا للقاهرة سيرًا مجدًا، فساعة أمشي على هينتي وساعة أجرى وأنا خائف، فوصلت إلى القاهرة، ولَمَّا دخلت رحت إلى السوق، وبعت القماش الذي عَلَىَّ، واشتريت لبس الفقراء، وقلت في خاطري أول ما أروح إلى دار جمال [الدين](١) قتال السبع لأنه شيخ كبير، وهو أهون عَلَىَّ من غيره، فسأل عنه، فقيل: هو في القلعة، قال: فقعدت على الباب وأنا متعلق، فتقدم إلىَّ البرددار وبعض المماليك فقالوا: يا فقير ما حاجتك بالأمير؟ قلت: لي به معرفة وله عَلَىَّ صدقات، وأنا من المجاورين بيت المقدس، فقالوا: اقعد الساعة يجئ.
قال: فأنا معهم في الحديث، فإذا بالأمير وقد جاء، فتقدم إليه البرددار وقال: يا