وقال بيبرس في تاريخه: وأما السلطان الملك الناصر فإنه سار من مدينة دمشق بالعساكر بعد أن شملهم بالنفقات وأوسعهم بالصدقات، وأضرب حينئذ عن المكاتبات وأقصر عن المراسلات، فكان كما قال أبو الطيب المتنبي:
ولا كتبٌ إلا المشرفية عنده … ولا رسلٌ إلا الخُمَيْس العَرَمْرَم (١)
وأما القاصد الأزقي، فإنه لما سار أرسل الناصر إلى تمر يقول له: أوصل هذا إلى حد القاهرة على أي حال كان، فانتخب تمر من الألفين التي معه مائة فارس، وطلب نجابًا كان عنده يقال له: مقلزون، وكان خبيرًا بالبر، وقال له: إني أريد أن تأخذني من العريش، ولا تطلع بي إلا من العباسية على غير الطريق، فقال: سمعًا وطاعة، ثم إنه عمد إلى ناقة كانت لتمر تسمى الغيداء، فركبها مقلزون وسار بتمر الساقي وأصحابه خلفه، ولم يزالوا حتى توسطوا البر، وجاء الليل، فأنشأ يقول:
دعي النوم غيداء ثم جدي واجهدى … وصبرا على طول النهار مكررا
وكوني على خوض الفيافي جليدة … وخوضي سهولًا مع جبال توعُّرا
ودلي بنا نحو الشعيب وأثلةٍ … وبانات زيَّاد وسفح بن عكبرا
فحولك فتيان كرام ومعشر … طخام تثير النقع في الجو أغبرا
دعوا القال يا فتيان مصر ومن بها … وقولوا لمن أضحى عليها مظفرا
غداة يجئ ابن المليك ورهطه … وكل غلام كالقضيب مُثمرًا
ينادون اسم الناصر الملك الذي … له في سماء العلاء يناديك مخبرا
فدع عنك بيبرس البلاد وملكها … فبينكموا مثل الثُّريا إلى الثَّرى