للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يلتقى مني خيرًا، ثم رحل من حمص، ولما قرب من دمشق قال لمماليكه وغلمانه: ها نحن قد وصلنا إلى (١) دمشق، وأنا أقسم بالله العظيم أنه إذا بلغني عن أحد منكم أنه تجوه (٢) على أحد، أو حمى شيئًا، أو أخذ من أحد شيئًا، أو ظلم أحدًا، أو تعرض إلى أحد بغير حق، لأسمرنه على جمل، ولأعاقبنه عقابًا شديدًا.

ثم تلقته أهل دمشق من الأمراء المقيمين وبقية عسكرها، ومن الأعيان والحكام إلى القطيفة، ومعهم أنواع الحلاوات والفواكه، ومدوا له سماطًا هائلًا، فامتنع من الأكل، فقال له بهادر آص: كل واجبر خواطر الناس، فقال: مالى بهذا عادة، أنت قط رأيتني أني أَكلت لأحد شيئا، قال: لا والله، ثم رحل، ورأى أهل دمشق من الرجال والنساء مثل الجراد المنتشر، قد لاقوه بشموعات وأعلام، وقد أظهروا الفرح الزائد، فقال كراي: إش هذه البدعة؟ لا سيما خروج النساء، فقال بهادر آص: قد علموا ما في الأمير من الدين والعدل والإنصاف وحسن السيرة، فلذلك لم يبق أحد من الكبار والصغار إلا وقد خرج لملتقاك فرحًا بك، ولما دخل المدينة نثروا عليه الذهب والفضة، ولما قرب من القصر بسطوا شقق الحرير تحت حوافر فرسه، ولما وصل القصر قالوا له تنزل هاهنا؟ قال: لا، بل ننزل في دار الجاولي، وكانت إلى جانب الميدان، وفتح له الباب إلى الميدان فنزل فيها.

وفي تلك الليلة اجتمع أعيان الشام وأكابرها وجاؤوا إلى القاضي وقالوا له: نجمع من بيننا شيئًا ونقدمه إلى كراي على جاري العادة للنواب، فرأى القاضي ذلك مصلحة، فجمعوا من بينهم: مبلغ ألفي دينار، وشيئًا كثيرًا من الثياب الحرير، فأتوا بها وقدموها له: فقال لهم: ما هذا؟ فقالوا لأجل غلمان مولانا الأمير، لأنه جاء في غير وقت المغل، وإقطاع المخدوم ما فيها شيء اليوم، فأقبل هذه منا واعذرنا، فدعا لهم وشكرهم، ثم قال لهم: خذوا، مالي بهذه حاجة، وأنا لا آخذ من أحد شيئًا، وما أحل الله لي أموالكم، وأنتم عندي أعز من نفسي ما دمتم على الاستقامة والصحبة، وقد بلغني أن بعضكم يتقرب إلى النواب ويتجوه بهم ويفتح


(١) إلى: ملحقة بين الأسطر في الأصل.
(٢) تجوه: تعظم أو تكلف، تاج العروس، مادة جوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>