للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بشيل الأثقال والخزائن، وطلب مماليكه، وحكى لهم بالقضية، فلما سمعوا بقوا مفكرين ساعة من غير جواب، فقال لهم [خُذِلْتم] (١) با مخانثة من حديث؟ فالله يدري أهو صحيح أو كذب، فلعن الله من يرجوكم لدفع شدة، ثم إنه دمدم ونخر (٢)، وقال كَمْ نحمل الضرر ولا نثبر الغُبن، وهم يبلوننا بها، فيظنون أنني مثل مَنْ أخذوه قبلي، هيهات هيهات، والله، إن الوصول إلىَّ بعيد، والقُدوم عَلَيَّ صعب شديد، وأنا أقسم بالله العظيم، ونبيه الكريم، لئن لم تنتهوا عني لأثيرن حربًا تعثر الخيل فيها بالجماجم وتقطع فيها الزرادم (٣)، ثم التفت إلى مماليكه، وقال لهم: الساعة لا بد من ركوب الخيل ولبس العُدد.

قال الراوي: فبينما هو يقول ذلك، إذْ سَيَّر إليه السلطان يطلبه، فما قدر على المخالفة، فلما حضر، أمرهم السلطان بأن يأخذوا سيفه، فأخذوه، ثم قال له: ما عملت معك من القبيح حتى إنك تجازيني بمثل هذه المجازاة؟ فقال له بكتمر: والله، ما ضَرَّيْني، إلا أنك ضريت الناس وأهلكتهم وقتلتهم بغير حق، فقال السلطان: أصحيح ما قالوا عنك؟ فقال له: نعم، فقال السلطان لمماليكه: شيلوه إلى أسند مر.

قال الراوي: فشالوه إلى الجب، ثم سير السلطان خلف بتخاص بعض مماليك الجوكندار، لأنه بعد مسكه طلب مماليكه كلهم، وخلع على أعيانهم ووعدهم بما يسرّ قلوبهم، وطيب خواطرهم، فباسوا الأرض، ثم قال لهم: من كان فيكم يرسله أستاذكم إلى الأمراء؟ فأشاروا إلى مملوك، وقالوا: هذا الذي كان يروح إلى الأمراء، ثم أرسل إلى برلغي، فجاء إليه ذلك المملوك ورآه وهو قائم يصلي الظهر، فلما سَلَّم، قال له: إن الأمير يطلبك، فقال له برلغي: من عنده؟ فقال: عنده بتخاص، ولما سمع نهض طالبًا بيت بكتمر، وكان السلطان قد أرسل إلى بيت بكتمر مائتي مملوك، وقال لهم: إذا دخل برلغي اقبضوا عليه.


(١) خذلتهم: في الأصل.
(٢) نخر الإنسان والحيوان: مد الصوت والنفس في خياشيمه، تاج العروس، مادة نخر.
(٣) الزردمة: موضح الابتلاع من الحلق، محيط المحيط، مادة زردم.

<<  <  ج: ص:  >  >>