للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشغل وافقتنا الناس كلهم، لأن الناس خائفون من هذا السلطان.

واتفق رأيهم على أن يدخلوا عليه بمماليكهم، فإن رأوا أنهم مستظهرون عليهم قبضوا عليه وإلا قتلوه، واتفقوا على أن يكون هذا يوم الخميس، وكان الاتفاق يوم الثلاثاء، ولم يطلعوا أحدًا على هذا الأمر، وباتوا تلك الليلة ومن الغد على هذا.

وطلع بكتمر الخدمة، لأنه نائب ولا يقدر على الانقطاع، فوقف في الخدمة إلى قريب الظهر، وكان قد طلع معه مملوك صغير، ابن عشر سنين، يحمل سرموجته، وكان السلطان أمرهم أن لا يعبر أحد عليه بمملوك صغير، وكان هذا المملوك واقفًا بين الأبواب عند الخدام، فجاء إليه مملوك من مماليك السلطان، صغير مثله، فلعب معه، فتضاربا، فاجتمع الصغار من مماليك السلطان عليه وضربوا مملوك الجوكندار، فجاء خادم من الخدام وخلصه منهم، وبقى مملوك الجوكندار ما يرجع عنهم والخدام يردونه، وهو ما يرتد، فضربه زمام الدار وقال له: ما ترجع عن مماليك السلطان، يا شيطان، فبكى، وقال: يا عبد النحس راحت دولتكم، غدًا أقول لكم.

ولما سمع زمام الدار بذلك المقال منه مسكه، ودخل به إلى السلطان، وقال له من حيث لا يسمعه أحد: جرى من الأمر كذا وكذا، فلما سمع السلطان ذلك طار عقله، وقال له: هات المملوك، ثم سَيَّر عشرين مملوكًا، وقال لهم: إن طلب بكتمر النائب الرواح، لا تمكنوه، فخرجوا إليه من حيث لا يعلم بهم، وطلب السلطان المملوك وقال له: ما معنى ما قلت: رَاحَتْ دولتكم غدًا أريكم؟ ففزع المملوك، فقال له السلطان لا تفزع، أنت اليوم مملوكي، وضحك في وجهه، فحكى له المملوك كل ما جرى بين أستاذه الجوكندار وبين بتخاص وبرلغي، فقال السلطان: "هل معهم آخر، قال: كانوا يقولون إن معهم أمراء آخرين، ولكن أنا ما أعرفهم، فقال السلطان" (١): اطلبوا بكتمر النائب، فطلبوه، وهو على غاية الاحتراز، وقد حمل أثقاله، وذلك أنه كان له عند السلطان مَنْ يخبره بكل ما جرى عند السلطان في غيبته، ولما بلغه أمر مملوكه أمر


(١) بهامش الأصل، ومنبه على موضعه بالمتن.

<<  <  ج: ص:  >  >>