قد وثب على الأفرم من مؤخر الفرس، وصرخ فيه بصوت هائل، ثم ضربه بسكين في صدره، فردت السكين إليه، ولم تعمل شيئًا لأنه كان عليه زردية ضيقة العيون لا يعمل فيه شيء، فصرخ الأفرم على مماليكه، فجاء إليه مملوك وضرب الفداوى بالدبوس فأرماه، فنظر الفداوى إلى ما حل به، فصاح: الله أكبر، الله أكبر، يا ثارات الملك الناصر، ووثب على المملوك وضربه بالسكين في جنبه الأيمن، ووصلت السكين إلى أمعائه، فانقلب المملوك إلى الأرض، وتسابقت المماليك إلى الفداوى، جعل الفداوى يحمل عليهم يمينًا وشمالًا، ويقول: يا عِلوق (١) اين تروحون مني؟ فقتل منهم اثني عشر مملوكًا، فتكاثروا عليه، وجاء إليه واحدٌ من خلفه فضربه بدبوس على دماغه فنثر مخه من أذنه.
وأما قراسنقر والزردكاش وبلبان الدمشقي، لما رأوا الفداوى قفز على الأفرم هربوا وخرجوا من بين الناس، فقال لهم: يا أمراء كنت أخاف من هذا، وقلت لكم ما سمعتم مني، والله، إن لم تجعلوا بالكم وإلا رحتم أشأم الرواح.
وحملوا الأفرع إلى وطاقة، وكان قد انجرح من ضربة ثانية، وطلب له جوبان الجرائحية فداووه وشدوه، ثم طلب جوبان شِحْنَة تبريز ونائبها، وقال لهما: اعلما بأن هذا الفداوى لم يكن وحده، بل له رفاق، ولا أعرفهم إلا منكما.
وأرسل قاصدًا إلى خربندا وأعلمه الذي جرى، فقال خربندا: والله العظيم، ما أمنت من غائلة هؤلاء الأمراء إلا هذا الوقت، فإني كنت مُتَشككًا فيهم، وكنت أظن مجيئهم مكر وخداع، وكنت مُعَلًا على قتلهم، ثم إنه ركب من ساعته وسار يطلب تبريز، وركب جوبان ومعه الأمراء، وركب الأفرم وهو مجروح، ومن معه من الأمراء، وساروا حتى لاقوا خربندا، فلما قربوا منه ترجلوا وقبلوا الأرض، وترجل خربندا أيضًا، وتعانقوا، ثم ركبوا وساروا، وأخذ قراسنقر عن يمينه والأفرم عن شماله، وجعل يسأل عن الأفرم ويجمل همه ويُطيب قلبه، وساروا يطلبون الشام، يعني البستان الذي ذكرناه، ونزل في
(١) معاملة العلوق: تقال لمن تكلم بكلام لا فعل معه، تاج العروس، مادة علق.