الموصل، فلما وصلوا، فنزلوا في خان، سألوا عن قَفْل رائحين إلى تبريز، فوجدوا جماعة من سَلْمَاس رائحين إلى تبريز فخرجوا معهم.
وكان علاء الدين هذا من أحسن الناس وجهًا، وذا كرم وخدمة، فسألوه من أين أنت؟ قال: أنا من الحديثة ومعي بعض صابون، ولا أعلم سعره في تبريز، لأني ما عبرت تبريز قط، ثم كان كلما نزلوا منزلًا يسبق عَلِيُّ هذا ويشتري أحسن الأشياء وأطيب المأكولات، ويأتي إلى التجار ويُطعمهم، وكذا المكارية، ويخدمهم ويتقرب إلى قلوبهم، ويساعدهم في الشَّد والخَلّ طول الطريق، فأحبه جميع هؤلاء حتى لا يقدر أحد منهم أن يفارقه، وقالوا: يا علاء الدين، أمسك يدك فقد استحيينا منك، وإش معك؟ الكل ست أحمال صابون، فإش مقدار ما يُكْسب مع هذه النفقة الواسعة؟ فقال: أنا ما طلعت إلا بسبب الفُرْجَة، وهذه الأحمال بسبب النفقة، وهذه صدقة الله تعالى، وقد مَنَّ الله عَلَيَّ بصحبتكم، والله، لو ذهبت روحي في خدمتكم لكان قليلًا.
ولما وصلوا إلى سَلْمَاس تنازعوا عليه، فكل واحد منهم يقول:[أنا آخُذُه](١) إلَيَّ وأُضَيفه، فقوى عليهم شخص يقال له: مبارك، فأنزله عنده وأَضَافه ثلاثة أيام، ومع هذا كل يوم يعمل له التجار ضيافات، ففي اليوم الرابع رحلوا إلى تبريز فنزلوا في خان خارج تبريز، والتجار الذين معه أخذوه ودخلوا به إلى تبريز وأعرضوا صابونه فباعوه قبل بضائهم، والمكارية أخذوا هذين الاثنين من الفداوية ودخلوا بهما الخمارة وشربوا طول ذلك النهار، فاستمروا على ذلك أيامًا.
وأما عَلِيَّ فماله شُغل إلا تتبع آثار قراسنقر إلى ذلك اليوم الذي جرى فيه ما جرى من الفداوي الذي جَرَح الأفرم وقَتَل جماعة من الناس ثم قُتِل، ففي هذا اليوم قال علَيَّ لذلك الفداوي: هؤلاء غُرماء السلطان الملك الناصر، فأبصر إش تعمل؟ وأعطاه سكينًا من السكاكين المختومة التي عنده، وفعل هو كما ذكرناه، ورفيقه الآخر ما قَدَرَ