للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصبحوا ركبت الأمراء إلى خدمة خربندا، ولما تكلموا، قال خربندا لقراسنقر: يا شمس الدين اركب وازحف على الرحبة، فإن سلموها إلينا من غير حرب كان الخيار لهم وتُصان دماؤهم، وأَخلع على أكابرهم، وأُعطى الأزكشي تقدمة الأكراد في بلادي، وأُعطيه أربل وجبالها، وأُطلق له في كل سنة تمضي خمسين ألف دينار تُحمل إليه من الموصل.

فخرج قراسنقر، ومعه الأفرم والزردكاش ومماليكهم (١) وهم ملبسون، وأمر خربندا بأن يركب معهم قطلو ودقماق ودمندار بثلاثين ألف فارس، وأمرهم أن يكونوا في طوع قراسنقر، فإن سمعوا منه وسلمها الأزكشي، وإلا فازحفوا عليه، فساروا إلى أن وصلوا إلى قرب القلعة، ونادى مملوك من مماليك قراسنقر: خَلُّوا الأمير بدر الدين يكلم، فهذا الأمير قريب منه ليسمع كلامه، فقال الأمير بدر: ها أنا أسمع كلامكم فقولوا، فتقدم قراسنقر وسلم عليه، وقال: يا بدر الدين أنت تعلم بحالنا، وأنت أخبر بكل أحد، وتعلم ما جرى علينا، وما هربنا إلا من ضرر عظيم، وكنا نخاف من التتار لقلة مباشرتنا معهم، فلما خالطناهم وجدناهم أكثر الناس مروءة، وأقربهم إلى الحق، منعكفين على [هذا] (٢) الدين، معتقدين فيه بيقين، ولاسيما هذا الملك الذي عطاياه كموج البحار، وكلتا يديه كَسَيْلِ الأمطار، وقد أغنانا بعد الفقر، وجَبَرنا بعد الكسر، وجهز معنا جيوشه، وأنفق أمواله وذخائره، وقد وعدك بتقدمة الأكراد وإطلاق كل سنة بخمسين ألف دينار، ويعمل خيرًا مع الذين معك في القلعة، وإن لم تسمع ولم تسلم القلعة زحف عليكم فأخذها في فرد ساعة، وما يحصل لكل واحد منهم حجر يحمله إلى موغان.

فلما سمع بدر الدين هذا الكلام غضب وقامت أخلاقه، وقال: أُفًا لك يا خسيس، يا أمكر من إبليس، يا خارجًا عن الملة [المحمدية] (٣)، ويا مطرودا عن باب الملك، فهذا لا يليق إلا لمثلك، ارجعوا من حيث جئتم، والله، إن دون أخذ القلعة حروب هرب


(١) ومماليكهم مكررة في الأصل.
(٢) هذه: في الأصل.
(٣) المحدية: في الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>