استأنف قتالهم بجنده حتى يفتحه، وكان يبعث إلى الحصن يقول لهم: إنّ ماءكم قد قلّ، فافتحوا صلحا قبل أن آخذه قسرا، فيقولون إن الماء عندنا كثير، فيقول: إن كان كثيرا انصرفت عنكم، فيقولون: ابعث من يشرف على ذلك، فيرسل رجالا من جيشه معهم رماح مجوّفة محشوّة سمّا، فإذا دخلوا قاسوا ذلك الماء بتلك الرماح، فيفسح ذلك السمّ ويستقرّ فى الماء، فيكون سبب هلاكهم ولا يشعرون.
وكان لعنه الله شيخا كبيرا قد أسنّ، وكان يميل إلى دين النصارى ولكن لا يمكنه الخروج عن حكم جنكز خان من الياساق.
وقال الشيخ قطب الدين اليونينى: وقد رأيته ببعلبك حين حاصر قلعتها، وكان شيخا حسنا له لحية طويلة مسترسلة رقيقة قد ظفّرها مثل الدبّوقة، وتارة يعلقها فى حلقة بأذنه، وكان مهيبا، شديد السطوة. قال: وقد دخل الجامع فصعد المنارة ليتأمل القلعة منها، ثم خرج من الباب الغربى، فدخل دكانا خرابا فقضى حاجته، والناس ينظرون إليه وهو مكشوف العورة، ولما فرغ مسحه بعضهم بقطن ملبّد مسحة واحدة.
قال: ولما بلغه بروز الملك المظفّر إليه بالعساكر المصريّة تلوّم فى أمره، ثم حملته نفسه الأبيّة على لقائهم، وظنّ أنه ينصر كما كانت عادته، فحمل يومئذ على الميسرة فكسرها، ثم أيّد الله المسلمين وثبّتهم، فحملوا حملة صادقة على التتار، فهزموهم هزيمة لا تنجبر أبدا، وقتل كتبغا نوين فى المعركة وأسر ابنه، وكان شابا حسنا، فأحضر بين يدى المظفر قطز فقال له: أهرب أبوك؟ فقال: إنه لا يهرب، فطلبوه فوجدوه بين القتلى، فلما رآه ابنه بكى وصرخ، فلما تحققه