إلى أن توفى الملك الأشرف برسباى فى ذى الحجة سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، وتسلطن ولده الملك العزيز يوسف، وصار الأتابك جقمق العلائى مدبر مملكته، عزله جقمق المذكور عن القضاء بشيخ الإسلام سعد الدين سعد بن محمد الديرى فى يوم الإثنين ثالث عشر المحرم سنة اثنين وأربعين وثمانمائة، فلزم المذكور داره مكبا على الإشغال والتصنيف إلى أن ولاّه الملك الظاهر جقمق حسبة القاهرة مرتين، لم تطل مدته فيهما، الأولى عن الأمير تنم بن عبد الرزاق المؤيدى، والثانية عن يار على الطويل.
ثم ركدت ريحه، وضعف عن الحركة لكبر سنه، واستمر مقيما بداره إلى أن خرجت عنه الأحباس لعلاء الدين على بن محمد بن الزين، أحد نواب الحكم الشافعى وندماء الملك الظاهر جقمق، فى سنة ثلاث وخمسين، فعظم عليه ذلك لقلة موجوده، وصار يبيع من أملاكه وكتبه إلى أن توفى ليلة الثلاثاء رابع ذى الحجة سنة خمس وخمسين وثمانمائة، وصلى عليه من الغد بالجامع الأزهر، ودفن بمدرسته بجوار داره، رحمة الله.
وكانت جنازته مشهودة، وكثر أسف الناس عليه.
وكان بارعا فى عدة علوم، مفندا، عالما بالفقه، والأصول، والنحو، والتصريف، واللغة، مشاركا فى غيرهم مشاركة حسنة، أعجوبة فى التاريخ، حلو المحاضرة، محفوظا عند الملوك - إلا الملك الظاهر جقمق -، كثير الإطلاع، واسع الباع فى المعقول والمنقول، لا يستنقض إلا متعرض، قلّ أن يذكر علم إلا ويشارك فيه مشاركة جيدة.