للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما كان سحر الجمعة، صبيحة يوم الوقعة، قام فى الخيام صائح أيقظ النوام، وظن الناس أن التتار عادوا مكابسة، وعاد الحرب مخالسة، فركب السلطان وركب معه من كان بالدهليز من المماليك والسنجقيّة، فانكشف الخبر بعد ساعة، بأن جماعة من العسكر الذين تبعوا التتار المنهزمين عادوا إلى الوطاق.

وأسفر صباح يوم الجمعة المبارك، الخامس عشر من شهر رجب، والعدوّ قد ولّى هاربا، ولم يبلغ أربا، وسارت الجيوش الإسلاميّة فى إثره طلبا، فنالت [منه] (١) قتلا وأسرا، ونهبا وسبيا، وضربت البشائر والتهانى، وتحققت الآمال والأمانى، وكتبت الكتب الشريفة بهذه الأخبار إلى الأقطار، وركضت سوابق الخيول بالانتصار إلى الأمصار، ولم يبق بلد ولا مدينة ولا ثغر من ثغور الإسلام، بمصر والشام، إلا وقد أعلنت فيه البشائر، وقرئت به كتب النصر على المنابر، فاكتسى الزمان رونقا وبهجة، وامتلأت بالسرور كل مهجة، وبطقت (٢) البطائق إلى الحصون القريبة من مسالك التتار التى سلكوها (٣) للفرار، مثل البيرة، وعينتاب، وبغراس، والدربساك، والراوندان، وأبى قبيس، وشيزر، بأن يأخذوا لهم المراصد، فصار العشرة منهم يقتلهم من المسلمين واحد، وحفظ أهل البيرة عليهم المعابر من الجهة الفراتيّة، والمخائض إلى الجهة الشرقية، فعبر أكثرهم من غير عبر، فهلك أكثرهم غرقا، وقتل منهم فى الهزيمة أكثر ممن قتل عند اللقاء.


(١) [] إضافة من زبدة الفكرة.
(٢) «وبطق» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة.
(٣) «ملكوها» فى الأصل، والتصحيح من زبدة الفكرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>