خيله، وكان يدخره لأمر يجرى عليه، وما زال يضمّره، فركب وأخذ معه مملوكا كان يعتمد عليه، فخرج من المدينة، وكان مشهورا بالفروسية ورمى النشاب ولا يكاد سهمه يخطئ.
ولما أعلموا السلطان بهر وبه أرسل وراءه الأمير سيف الدين منكلى، والأمير سيف الدين طقصو، ومعهما جماعة، فأوحى إليهم أن يروحوا وراءه حيث كان ولا يدعوه، فركبوا الهجن وساقوا وراءه، ولحقوه وقد طلعت الشمس، وصار فى أرض العايد (١)، فلما رآهم وقف ووقفوا له مقابلة، وسيّروا إليه وعرّفوه بما أمر السلطان، فقال: لا سبيل إلى تسليم نفسى إلاّ بالموت، فحمل عليه مملوك من مماليك الأمير منكلى، فقصد فرسه بالرمى فقتله، فحمل عليه الأمير طقصو من الجانب الآخر. فقال له: أيها الأمير أنتم مجاهدون، ولا تعرضوا أنفسكم للموت، فما منكم أحد إلا وهو يعرف نشابى، وها أنا قاتل فرسك فلا تطمع، ثم رماه فى صدر فرسه، فانقلب طقصو من الفرس، واشتغلوا بإركابه، فغاب عنهم فى البر، فقصروا بعد ذلك من طلبه، وقالوا: عرب الشرقية ما يمكنونه من الرواح لأن السلطان كاتب إليهم بسببه.
وأما ابن قرمان فإنه وصل إلى بيت الأمير غرارة امير العايد، وكان هو من أصحب الناس لابن قرمان، ولما رآه غرارة خرج إليه وتلقاه وأنزله فى بيت، وظن أنه أتى على عادته للصيد، وكان أكثر صيده فى أرضه، فقال له:
وأين صبيانك يا أمير؟ فقال: الآن يحضرون، فقم وعجل لهم بالطعام، فقام غرارة وذبح رأسى غنم، واتكأ ابن قرمان على فخذ مملوكه، وكان قد أضرّ به
(١) عرب العايد: بالأعمال الشرقية من عمل بلبيس - كنز الدرر ج ٨ ص ٣٠٤.