فأخذوه وأحضروه إلى السلطان، ففتح الورقة فوجد فيها مكتوب بالعربى:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله، إن الدين عند الله الإسلام، يا سلطان المسلمين احفظ عسكرك من الكبسة فى هذه الليلة، فإن أهل عكا قد اتفقوا على ذلك، وهم قاصدون الهجوم عليك، واحتفظ أيضا من [١٩] أمرائك فإنهم ذكروا أن فيهم تخابرا عليك.
وكانت هذه الورقة من رجل من أهل عكا رزقه الله الإسلام وكان يكتم إسلامه، فلما وقف عليها السلطان طلب الأمير بيدرا والشجاعى وقرأها عليهما، فاتفق رأيهم أن يدور الحجاب والنقباء على الأمراء ويعرفونهم بهذا الأمر سرا فيما بينهم، وأن يحتفظ كل أمير بمكانه، واتفق فى تلك الليلة أن هبت ريح عاصفة، فأظلم الجوّ لها ووافاها أهوية مختلفة، فكان ذلك مما فرح به الإفرنج، واجتمعت طائفة الداوية مع طائفة الاسبتار وتفرقوا، وخرجوا من أماكن يعرفونها، وركب بعضهم فى المركب إلى أن صاروا على الأرض، ثم هجموا على العسكر وتصايحوا صياحا منكرا.
وكان أول وصولهم إلى نحو الميسرة، وكان فيها مركز الأمير بدر الدين بكتاش الفخرى أمير سلاح، وكان الخبر عنده، وكان راكبا بمن معه واقفين خارج الخيم، فلما وصلت الإفرنج وقربوا من الخيم أرادوا أن يرموا نفطا عظيما كان معهم، فما لحقوا أن يتوسطوا الطريق حتى أخذهم الصياح من كل جانب، ورشقتهم السهام فى الليل، فرجعوا على أعقابهم، وليس فيهم أحد يلتفت إلى من معه، ورموا منهم نحو العشرين فارسا، وخرجوا جماعة فأخذوهم أسرى.