للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد تقدم الكلام عن جميع أنواعه.

وقيدناه بالفاحش أو المترتب عليه ضرر يجب دفعه أو خصومةٌ؛ لأن الغرر التي جرت المعاملات على عدم اعتباره لا يكون فاحشا ولا مترتبا عليه الضرر.

وأما المانع لأجل الضرر العام فهو إما ضرر على السوق أو على الشعائر الدينية أو على المكارم والأخلاق.

فالأول: منه النهي عن تلقي الركبان (١)؛ لأن الضرر المترتب على حركة السوق التجارية أكبر من مجرد ملاحظة الضرر بالبائع أو المشتري؛ لأن الضرر بالسوق واقع لأدائه إلى التأثير السلبي على الحركة والعمالة والوفرة، وينعكس ذلك على الاقتصاد الكلي؛ لأن خروج الصفقات التجارية عن السوق الرسمية موصل إلى تعطلها وإنشاء سوق هامشية غير رسمية (السوق السوداء).

وإذا حصل ذلك تعطلت كثير من التجارات وأضر باليد العاملة، ومن ثم بالاقتصاد العام، بخلاف لو اعتبرنا الضرر شخصيا وهو احتمال الغبن في الثمن؛ لأنه يمكن حصوله ولا يمكن؛ لأنه قد يكون عارفاً بالسعر في السوق فيتلقى الركبان ويشتري بسعر السوق فلا يحصل الضرر، بخلاف السابق فإمكانه شديد، والشريعة قائمة على الغالب.

ومنه النهي عن بيع حاضر لباد (٢)، وهو لنفس علة المسألة السابقة بدليل التعليل الوارد في النص «لا يبع حاضر لباد، دعوا الناس يرزق بعضهم بعضا» (٣).

والنهي مفيد للتحريم، فيحرم بيع حاضر لباد؛ لأنه مؤد إلى كثير من الضرر بالسوق؛ إذ ينتج عنه الاحتكار ورفع السعر، وذلك بالاتفاق مع المورِّد على عدم بيعها حالاً؛ وتخزينها عنده كوكيل مبيعات بأجرة.

وهذا ضرر عام مؤد إلى غلاء السلع، ومحدودية تداولها بين مورد ووكيل قاصد حكرها، وهذا ينعكس بالضرر على التداول التجاري، ورواج السلع، ورخص الأسعار، ويقلل من


(١) - تقدم الحديث وتخريجه.
(٢) - تقدم الحديث وتخريجه.
(٣) - أخرجه مسلم برقم ٣٩٠٢ عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يبع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض».

<<  <  ج: ص:  >  >>