ومنهم الولاة المختلسون والغَالُّون والذين كونوا ثروات لأنفسهم بخيانة أموال في أيديهم للغير، فهذا راشد ماليا غير عدل بل فاسق مفسد.
وأما السفيه الخائن فيخون ما في يده ولا ينتفع به لشخصه، وهو في الإثم أقل من السابق؛ لأن الأول أصلح حاله المالي فجمع ثروة من الإفساد في مال الغير، فعمل على خلاف ما هو يستطيعه من إصلاح المال بحسب العقد بخلاف السفيه الخائن فلا يستطيع أصلا إدارة المال، فالمال ضائع على كل حال، وعلى من دفع له المال إثم.
أما الأمين غير الراشد فلا يُمَكَّن من إدارة الأموال، لكن يمكن من الرزق المعيشي فيها بنحو وظيفة يستطيع عملها مناسبةً له غير خارجة عن قدراته.
وأما الأمين الراشد فهو المقصود شرعا أن يُولَّى في إدارة الأموال وحفظها.
والنص منطوقا ومفهوما يشمل التعامل مع جميع هذه الأصناف (وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا)(النساء: ٥).
فالراشد العدل يؤتى الأموال حفظا وإدارة، والسفيه الخائن لا يعطى لا حفظا ولا إدارة، ولكنه يرزق فيها.
وإنما جاء النص (فِيهَا) ولم يقل «منها» ليشمل إمكان توفير عمل مناسب له في ذلك المال، ويشمل الهبات والصدقات والكفالات والإعانات.
وليشمل التعامل معه بيعا وشراء لحاجياته، فلو قال «منها» لكان يعطي منها هبة أو صدقة ولما شمل ما ذكرنا.
فـ (فِيهَا) أشمل؛ لأنها ظرفية، أي اجعلوا رزقهم في هذه الأموال أو في ذات الشركات والعقارات والتجارات ورزقه فيها بما يناسب.
فإن كان من نوع السفيه الخائن وهو فقير أعطي من الزكوات والهبات، وجعل له في الأموال حق معلوم.
وإن كان من نوع السفيه الأمين فقد يعطى من الزكوات، وقد يعطى فيها رزقا بوظيفة وعمل يناسب هذا الوصف، وإن كان راشدا خائنا فلا يوظف فيها بما يمكنه من الخيانة، وإن كان فقيرا أعطي، وإن كان راشدا عدلا مُكِّن من الأموال إدارة وحفظا.