للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دفَّت» (١). والدافة هم مجموعة من النازحين من أهل البادية إلى الحضر وكان فيهم حاجة وفاقة. والمعنى العام هو حصول طارئ من مجاعة ونحوها تصيب قوما، فهذا النص خاص أريد به العام (٢).

ويدل عليه أصول النصوص من محكمات القرآن والسنة، فمنه (فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) (البلد: ١١)، وهذا محكم فدل على وجوب الإطعام حال المسغبة والمتربة وما في معناهما من طوارئ الكوارث، ودليل الوجوب ظاهر السياق في جعل المنع في هذه الطوارئ من صفات الكافرين ويؤيده قوله تعالى (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ* فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ* وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) (الماعون: ١ - ٣)، فجعل من صفات المكذب بالدين تركه الحث والحض على الإطعام وهي خصلة محرمة سواء كانت في مسلم أو كافر ولكن جعلها في الذين كفروا المكذبين بيوم الدين يفيد شدة التحريم، ولأن المجاعة ضرر يلحق بالضروريات الكبرى ومنها النفس والعرض والمال، ودفع الضرر واجب ولحديث «من كان له فضل فليعد به على من لا فضل له فلا يزال يعدد حتى ظننا أنه ليس لأحد حق في فضل يدخره» (٣).


(١) - أخرجه مسلم برقم ٥٢١٥ عن عبدالله بن واقد قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث. قال عبدالله بن أبي بكر فذكرت ذلك لعمرة فقالت صدق سمعت عائشة تقول دف أهل أبيات من أهل البادية حضرة الأضحى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ادخروا ثلاثا ثم تصدقوا بما بقى». فلما كان بعد ذلك قالوا يا رسول الله إن الناس يتخذون الأسقية من ضحاياهم ويحملون منها الودك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «وما ذاك». قالوا نهيت أن تؤكل لحوم الضحايا بعد ثلاث. فقال «إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت فكلوا وادخروا وتصدقوا».
(٢) - وليس منسوخا كما قال جماعة، واحتمل الشافعي في الرسالة بقاء العلة لا النسخ، واحتمل لمن قال بالنسخ، وجزم شيخ الإسلام ابن تيمية بعدم النسخ، ويرجحه ما أفاده كلام النووي من أن التعليل في الروايات ترجح القول بعدم النسخ.
قلت: لا نسخ إلا بدليل ظاهر أو إجماع لأن الأصل بقاء الأحكام فتوهم هنا من توهم أن زوال العلة المانعة من الادخار هو نسخ، وإنما سقت كلام هؤلاء دفعا للاعتراض.
(٣) - أخرجه مسلم برقم ٤٦١٤ عن أبي سعيد الخدري قال بينما نحن في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل على راحلة له قال فجعل يصرف بصره يمينا وشمالا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له». قال فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل. وفي رواية لمسلم برقم ٤٠٠٤ «من كان له فضل أرض فليزرعها أو ليزرعها أخاه ولا تبيعوها».

<<  <  ج: ص:  >  >>