وأعرضت عنه (١)؛ وإنما يتميز المتعدي بأن يتصل به كاف الضمير، أو هاؤه أو ياؤه باطراد؛ وبأن يصاغ منه اسم مفعول تام باطراد، نحو: صدقته، وحببته، وأردته، ورجوته، فهو مصدق، ومحبوب، ومراد، ومرجو، وبهذا علم أن قال: متعدّ لاطراد، نحو: قلته فهو مقول، ولو قصد هذان الأمران من ذهلت، ورغبت، وطمعت، وأعرضت لم يستغن عن الحرف، كقولك: ذهلت عنه ورغبت فيه وطمعت فيه وأعرضت عنه، فهو مذهول عنه، ومرغوب فيه، ومطموع فيه، ومعرض عنه؛ فلا يتأتى لك صوغ المفعول تامّا، بل ناقصا أي: مفتقرا إلى حرف الجر؛ فعلم بذلك لزومه وعدم تعدّيه، كما علم بالتمام التعدي. انتهى.
وما قاله من أن المتعدي لا يتميز من اللازم بالمعنى والتعلق، خلاف قول الأكثرين وأما ما [٢/ ٣١٢] ذكره من أن الفعلين قد يتّحدان معنى، وأحدهما متعد والآخر لازم، كصدقته، وآمنت به، إلى آخر الأمثلة التي ذكرها؛ فلك أن تمنع اتحاد معنى الفعلين في جميع ما أورده، وهو الظاهر، فيقال: معنى آمنت به أخص من معنى صدقته؛ إذ قد يصدق الإنسان غيره ولا يؤمن به.
وكذا إذا حقق الناظر نظره، أمكنه أن يفرق بين معنى نسيته وذهلت عنه، وكذا بقية الأمثلة.
واعلم أن المصنف قد تعرض في الألفية إلى ذلك.
وأما قول المصنف:(وإن علق اللازم بمفعول به معنى عدّي بحرف جر)، فظاهر، ثم إن الحرف - أعني حرف الجر - قد يحذف فيصل الفعل بنفسه إلى ما كان مجرورا به، وإلى ذلك الإشارة بقوله:(وقد يجري مجرى المتعدي شذوذا، أو لكثرة الاستعمال، أو لتضمين معنى يوجب ذلك)، فهذه ثلاثة أسباب، أما الشذوذ فنحو: قول الشاعر: -
(١) ما ذكره السيوطي في الأشباه والنظائر (٤/ ١٥١) موافق لما قاله المصنف هنا بقول السيوطي تحت عنوان: الأفعال المتعدية لا تميز عن غيرها بالمعنى: «طوبى لمن صدق رسول الله، وآمن به، وأحبّ طاعته، ورغب فيها، وأراد الخير وهمّ به، واستطاعه وقدر عليه، ونسي عمله وذهل عنه، وخاف عذاب الله وأشفق منه، ورجا ثوابه وطمع فيه، فهذه أفعال ستة متحدة المعاني، وهي مختلفة بالتعدي واللزوم؛ فدل على أن الفعل المتعدي، لا يتميز من غيره بالمعنى» اه.