ما بعدهما جملة، فكيف يبطل مذهبه بهذا [٢/ ٤٤٢] الاستدلال، والمستدل قد قال: والصحيح مذهب الفارسي وابن السراج، فدل على أن مذهبهما أصح المذاهب في المسألة، وقد يتبين أن الأمر ليس كذلك، ثم قال الشيخ: وعلى هذا المذهب - يعني به مذهب الفارسي وابن السراج - الكلام جملتان، قال: فإذا قلنا: إنه جملتان، فاختلفوا في الجملة من «مذ» أو «منذ» وما بعدها من المرفوع، فذهب الجمهور إلى أنها لا موضع لها من الإعراب، وذلك لأنها خرجت مخرج الجواب، كأنه قيل له: ما أمد ذلك؟ فقال: أمد ذلك يومان، وذهب السيرافي إلى أن لها موضعا من الإعراب وهي في موضع الحال، كأنه قال: ما رأيته متقدما، ولا يخفى ضعف هذا القول، ثم مما يبطل كون الجملة حالا أن الجملة الحالية لا بد فيها من رابط يعود على ذي الحال أو واو الحال، والجملة المذكورة خالية من ذلك (١).
وإما أن يقع بعد «مذ» و «منذ» اسم مجرور، فيحكم بحرفيتهما حينئذ، وتقديرهما إما «بمن» أو «بمن وإلى» أو «بفي». وقد تقدم الكلام على ذلك مستوفى، وقد تقدم أن بعضهم لا يثبت حرفيتهما، بل يدعي بقاءهما على الاسمية مع انجرار ما بعدهما مستدلّا على ذلك بأنه قد ثبت اسميتهما، فلا تخرجهما عنهما ما أمكن بقاؤهما عليها، قال: وقد أمكن ذلك بأن يجعلا ظرفين في موضع نصب بالفعل قبلهما، ورد هذا القول بأن الظرف إذا نفي عنه الفعل لم يقع الفعل في جزء منه، تقول: ما رأيته يوم الجمعة، فالرؤية منتفية في جميع أجزاء اليوم، وإذا قلت:
ما رأيته منذ يوم الجمعة أمكن أن يكون رأيته في بعضه ثم انقطعت الرؤية أو لم تره، وأيضا فالظرف إذا نفي عنه الفعل لم ينتف إلا عنه خاصة، فإذا قلت: ما رأيته يوم الجمعة انتفت الرؤية عن يوم الجمعة خاصة، وأمكن إن رأيته قبل إخبارك إلى آخر انقضاء يوم الجمعة، ومنذ ليست كذلك، فإذا قلت: ما رأيته منذ يوم الجمعة إلى زمن إخبارك، والذي يدل على حرفيتهما إيصالهما الفعل إلى كم، كما يوصل حرف الجرّ نحو قولك: منذ كم سرت كما تقول: بمن تمرّ، ولو كانا منصوبين على الظرف لجاز أن يستغني الفعل الواقع بعدهما عن العمل فيهما بإعماله في ضمير عائد عليهما، فكنت تقول: منذ كم سرت فيه أو سرته إن اتسعت في الضمير كما تقول: يوم الجمعة -