للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

استثناء على هذا الإنشاد وهو الوجه الّذي قلنا: إنّ في عبارة المصنّف إشعارا باحتماله.

وقال سيبويه - بعد ذلك -: ومن جعلها بمنزلة الاستثناء - يعني (غير) - لم يكن له بدّ من أن ينصب أحدهما (١) كأن يقول: لا يجوز رفعهما جميعا، على أنّ كلّا منهما بدل من المستثنى منه؛ لأنّه لا يبدل إلّا واحد كما يأتي تقريره، وإنما إذا أبدلت واحدا نصبت الآخر، والّذي قاله حقّ؛ لأنّه قصد أنّ «إلّا دار مروان» مقصود - في الأصل - بها معنى الاستثناء، كما يقصد بغير، وليس مقصودا بها التوكيد كما في مثل: ما مررت إلّا بأخيك إلّا زيد، وإنّما قلنا: إنّ مراده ذلك؛ لأن البيت المذكور أتى به في القسم الذي لم يقصد بـ (إلّا) الثانية فيه توكيد، بل قصد فيه الاستثناء، وإذا تقرّر هذا فلا منافاة بين قول المصنّف، وقد يكون مثل «إلا رسيمه وإلّا رمله» وقول الفرزدق:

١٧١٥ - ما بالمدينة دار ...

البيت

وبين قول سيبويه: ومن جعلها بمنزلة الاستثناء لم يكن له بدّ من أن ينصب أحدهما (٢)؛ لأنّ المصنف وإن جعل غير واحدة استثناء لم يجعل (إلّا) في «إلا دار مروان» استثناء بل توكيدا لـ (غير) باعتبار تأولها بـ (إلّا) كما تقدّم، وما بعدها بدل من المستثنى لا من المستثنى منه (٣)، وأمّا سيبويه فلم يجعل (إلّا) في «إلا دار مروان» تأكيدا، بل أخذها على معنى الاستثناء وحيث أبدل إنما يبدل من المستثنى منه كما تقدّم. وهذان اعتباران صحيحان، وإن كان المذكور بعد (إلّا) التي للتوكيد غير الأول في المعنى كان معطوفا نحو: ما قام إلّا زيد وإلّا عمرو، وقام القوم إلّا زيدا وإلّا جعفرا، وإليه الإشارة بقوله: وإلّا عطف بالواو أي: وإلّا يكن الثّاني مغنيا عن الأول يعطف عليه، وتقييد العطف بالواو هنا يشعر بأنّ غيره لا يجوز والظاهر أنّه كذلك، وإن قيل بجواز وقوع غيرها من الحروف العاطفة ففيه نظر، وأنشد المصنف شاهدا على التكرار مع العطف (٤):

١٧١٦ - وما الدّهر إلّا ليلة ونهارها ... وإلّا طلوع الشمس ثمّ غيارها (٥)

-


(١) المرجع السابق (١/ ٣٤٠).
(٢) ينظر: الكتاب (١/ ٣٤٠).
(٣) ينظر: شرح الجمل الكبير لابن عصفور (٢/ ٢٥٧).
(٤) شرح المصنف (٢/ ٢٩٦).
(٥) قائله أبو ذؤيب الهذلي، والبيت من الطويل. والشاهد: في قوله: «وإلّا طلوع الشمس»؛ حيث كررت (إلا) توكيدا، وعطف بالواو وعلى ما قبله لأنه مباين للأول، والبيت في ديوان أبي ذؤيب (ص ٨)، ديوان الهذليين (١/ ٢١)، ومجالس ثغلب (ص ٥٨٣)، وشرح المفصل (٢/ ٤١)، والعيني (٣/ ١١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>