للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الإعراض عن أكثر هذه الأقوال والاستمساك بما يقوم الدليل على رجحانه.

وقد عرفت أنّ المصنف ذكر أنّ مذهب سيبويه: أنّ (ما) اسم تامّ، مكنيّ به عن اسم معرّف باللام الجنسيّة مقدّر بحسب المعنى، وأنّ ابن خروف والسيرافي قرّرا ذلك، وعلى قول سيبويه والمبرد، وابن السرّاج، والفارسي في أحد قوليه، والكسائيّ موافق لسيبويه (١) كما قال المصنف، وكيف تكون (ما) تمييزا وهي مبهمة، تحتاج إلى ما يميزها. وقد قال سيبويه: فأمّا (ما) فإنّها مبهمة، تقع على كلّ شيء (٢). وقد قال بعض العلماء: زاد على من قال: إنّ (ما) في قوله تعالى: فَنِعِمَّا هِيَ (٣) في موضع نصب على التمييز و (ما) كالمضمر المجهول، الذي في (نعم) لا يدرى ما يعنى به، فكيف يفسر الشيء بما هو مثله في الإبهام،؟ قال: وإنّما ينبغي أن تكون (ما) في الآية الشريفة فاعلة (نعم)، أي فنعم الشيء هي.

والذي يظهر أنّ من ادّعى أنّ (ما) تمييز فإنّه يشترط أن توصف، فعلى هذا لا تكون تمييزا في قوله تعالي: فَنِعِمَّا هِيَ؛ إذ لا توصف، بل يتعين القول بفاعليتها فتكون اسما تامّا، ويجوز أن تكون تمييزا في قوله تعالى: نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ (٤) بأن تجعل الجملة بعدها صفة لها، فحاصل الأمر: أنّ (ما) في قوله تعالى:

نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ، وقوله تعالى: فَنِعِمَّا هِيَ تامة قائمة مقام اسم فيه الألف واللّام، التقدير: نعم الشيء شيء يعظكم به، ونعم الشيء شيء هو إبداؤها، فحذف المخصوص في الآيتين الشريفتين وبقيت صفته، ويجوز أن تكون موصولة في نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ على رأي من يجيز أن يكون فاعل (نعم) اسما موصولا وأن يكون تمييزا على رأي من يرى ذلك، لو جرّد الوصف. وأما في فَنِعِمَّا هِيَ فلا يظهر فيها أن تكون غير فاعلة، وقد عرفت أنّ المصنف أبطل كون (ما) تمييزا بشيء آخر، وهو أنّ المميز في هذا الباب، لا يكون إلّا صالحا للألف واللّام، و (ما) غير صالحة لذلك وقد طال الكلام في هذه المسألة، والله سبحانه هو الهادي إلى الحقّ. -


(١) تراجع كل هذه الآراء في والتذييل والتكميل (٤/ ٤٧٣)، والكسائي إمام الكوفيين - رسالة ماجستير (ص ٢٤٣).
(٢) ينظر: الكتاب (١/ ٧٣)، ومنهج السالك (ص ٣٩٥)، والأشموني (٣/ ٣٦).
(٣) سورة البقرة: ٢٧١.
(٤) سورة النساء: ٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>