للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الكحل منه في عين زيد، فإنّ المقصود به نفي المساواة ونفي المزية ولهذا قدّره سيبويه رحمه الله تعالى بـ: ما رأيت أحدا يعمل في عينه الكحل كعمله في عين زيد (١).

فكان لأفعل في هذا الموضع ما للصفة المشبّهة من تناول المساواة والمزية، فاستحقّ بذلك التفضيل على «أفعل» المقصود على المزية، ففضل برفعه الظاهر (٢). وأيضا فإنّ قاصد المعنى المفهوم من: ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد؛ إمّا أن يجعل «أفعل» صفة [٣/ ١٣١] لما قبلها، رافعة لما بعدها. وإمّا أن يجعله خبرا للكحل، فهذا الوجه ممتنع بإجماع العرب لاستلزامه الفصل بالمبتدأ بين «أفعل» و «من» مع كونهما بمنزلة المضاف والمضاف إليه، والوجه الآخر لم يجمع العرب على منعه، بل هو جائز عند بعضهم، فلما ألجأت الحاجة إليه اتفق

عليه اهـ.

فإن قيل: لا نسلم الالتجاء إليه؛ لإمكان أن يقال: ما رأيت أحدا الكحل أحسن في عينيه منه في عين زيد.

فالجواب: أنّ إمكان هذا اللفظ مسلّم، ولكن ليس بمسلم إفادته ما يفيده اللفظ الآخر من اقتضاء المزية، والمساواة معا، وإنّما مقتضى: ما رأيت أحدا الكحل أحسن في عينه منه في عين زيد، نفي رؤية الزائد حسنه، لا نفي رؤية المساوي، وإذا لم يتوصل إلى ذلك المعنى إلّا بالترتيب المنصوص عليه صحّ القول بالالتجاء إليه، ولم يرد هذا الكلام المتضمن ارتفاع الظاهر بـ «أفعل» التفضيل إلّا بعد نفي، ولا بأس باستعماله بعد نهي، أو استفهام فيه معنى النفي، كقولك: لا يكن عبدك أحبّ إليه الخير منه إليك، وهل في الناس رجل أحقّ به الحمد منه بمحسن لا يمنّ، ولا ينصب «أفعل» التفضيل مفعولا به (٣)، بل يعدّى إليه باللام، إن كان من متعدّ إلى واحد كقولك: زيد أوعى للعلم، وأبذل للمعروف، وإن كان من متعدّ إلى -


(١) في الكتاب (٢/ ٣١): (وأنت في قولك: أحسن في عينه الكحل منه في عينه؛ لا تريد أن تفضل الكحل على الاسم الذي في «من» ولا تزعم أنه قد نقص عن أن يكون مثله لكنك زعمت أن للكحل هنا عملا، وهيئة ليست له في غيره من المواضع فكأنك قلت: ما رأيت رجلا عاملا في عينه الكحل كعمله في عين زيد) اهـ.
(٢) ينظر شرح المصنف (٣/ ٦٦) وقد نقل هذا الكلام الشيخ أبو حيان في التذييل والتكميل (٤/ ٧٦٤)، وعقب عليه بقوله: (وهذا كلام فيه تكثير لا طائل تحته).
(٣) يعني أنه إذا كان مشتقّا من مصدر يتعدّى فعله إلى مفعول به، فإنه لا ينصب المفعول به، بل يعدّى إليه باللام، إن كان الفعل يتعدّى إلى واحد، تقول: زيد أبذل للمعروف.

<<  <  ج: ص:  >  >>