للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

رأسه قال: فدلّ ذلك على أنهم قصدوا حكاية الحال، وكذلك قول امرئ القيس:

٢١٧٨ - ومجر كغلّان الأنيعم بالغ ... ديار العدوّ ذي زهاء وأركان (١)

فـ «بالغ» - فيه - بمعنى الماضي، بدليل قوله بعده:

٢١٧٩ - سريت بهم حتّى تكلّ مطيّهم ... وحتّى الجياد ما يقدن بأرسان (٢)

وهو - مع ذلك - قد عمل؛ لأنك لو أتيت في موضعه بفعل مضارع لساغ، قال: فلّما رأينا اسم الفاعل، إذا كان بمعنى المضي لا يعمل إلّا في موضع يقع فيه الفعل المضارع دلّ ذلك على أنّه إنما عمل لقصد حكاية الحال قال: «وإذا ثبت ما ذكرناه لم يكن في الآية الشريفة حجّة؛ لأنّ قوله سبحانه تعالى: وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ (٣) جملة في موضع الحال (٤).

فقد وقع اسم الفاعل في موضع يقع فيه الفعل المضارع بدلا عنه، وإن كان من جهة المعنى ماضيا، ألا ترى أنك تقول: جاء زيد وأبوه يضحك، ولا يحسن أن -


(١) البيت من الطويل، وقائله امرؤ القيس، وهو في ديوانه (ص ١٧٥) من قصيدة أولها:
قفا نبك من ذكرى حبيب وعرفان ... وربع خلت آياته منذ أزمان
اللغة: مجر: جيش كبير، ثقيل السير من كثرته، الغلان: الأودية، واحدها «غال»، زهاء: كثرة شجره وارتفاعه، والأنيعم: اسم مكان وبالغ ديار العدو: يعني أنه لا يمكن رده عن المكان الذي يسير إليه، لكثرته وعزه.
والشاهد فيه قوله: ومجر بالغ ديار العدو؛ حيث أعمل اسم الفاعل «بالغ» في «ديار العدو» مع أنه اسم فاعل للماضي؛ لأنّ «واو رب» تخلص ما تدخل عليه إلى الماضي.
ينظر الشاهد في: شرح أبيات سيبويه (٢/ ٧٢)، وأمالي المرتضي (١/ ٥٢٨) والتذييل والتكميل (٤/ ٨٠٦).
(٢) البيت من الطويل، وقائله امرؤ القيس ينظر ديوانه (ص ١٧٥).
اللغة: سريت بهم: حملتهم على السير، حتى: ابتدائية، يقع بعدها الجمل المستأنفة، تكل - بفتح التاء وكسر الكاف - تتعب، والمطي: جمع مطية وهي الدابة، والجياد: جمع جواد، وهو الفرس الجيد، والأرسان: جمع «رسن» وهو الحبل.
والمعنى: أنها تساق معطلات دون حبال، لبعد الغزو، وإفراط الكلال.
والشاهد: الاستدلال بما في هذا البيت من معنى المضي في «سريت» على إعمال اسم الفاعل «بالغ» مع أنه بمعنى الماضي.
ينظر الشاهد في: معاني القرآن للفراء (١/ ١٣٣)، والأشموني (٣/ ٩٨).
(٣) سورة الكهف: ١٨.
(٤) ينظر: الشرح الكبير لابن عصفور (١/ ٥٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>