للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

باسميتها، وقد تقدم البحث (١) معه في ذلك، وأن المعارضة التي ذكرها لا تتحقق.

والذي يظهر أن معنى «من» ابتداء الغاية؛ فقد تتجرد لهذا المعنى، وقد تفيد معه التبعيض من حيث المعنى لا من حيث إن «من» واقعة موقع «بعض» مرادفة لها في هذا المحل أعني في مثل قولنا: قبضت من الدراهم. ثم لازم قول من ادعى ذلك - أعنى أن «من» واقعة موقع «بعض» - أن يكون العامل في قولنا: قبضت من الدراهم؛ منصبّا على الحرف نفسه لا على مدخوله، وليس هذا شأن حروف الجر؛ لأن وضعها أن توصّل معنى العامل إلى ما دخلت هي عليه فالعامل إنما هو منصبّ على المجرور الذي هو مدخول الحرف.

وفي كلام ابن أبي الربيع (٢) ما يعضد ما ذكرته؛ فإنه بعد أن مثل بـ: أكلت من الرغيف، قال: فـ «من» دلت على أن الأكل وقع بالرغيف على جهة التبعيض؛ إذ تعلق الأكل بالرغيف على وجهين:

أحدهما: أنه عمّه.

والثاني: أنه خصّه ولم يقع بجملته؛ فلحقت «من» لبيان ذلك.

وإذا فهمت هذا فهمت الفرق بين «من» و «بعض». فإنك إذا قلت: أكلت بعض الرغيف؛ فليس الرغيف متعلق الأكل؛ إنما متعلقه البعض، وسيق الرغيف لتخصيص ذلك البعض وزوال شياعه، وإذا قلت: أكلت من الرغيف؛ فـ «من» دلت على أن أكل الرغيف على جهة التبعيض، والرغيف متعلق الأكل، ودلت «من» على أنه لم يعمه (٣). انتهى.

وهو تقرير حسن، غير أن لقائل أن يقول: إن في قوله -: إن الرغيف متعلق -


(١) قال ناظر الجيش في أول الكتاب البحث الثاني: لقائل أن يقول: ما ذكره المصنف من العارض في «من» التبعيضية إنما يترتب على كونها لم يثبت اسميتها ولو ثبت لكانت كـ «بعض» في أنها إذا وليت «أن» كانت اسما لها فكيف يحسن جعل ما يترتب وجوده على عدم ثبوت الاسمية مانعا منها. فظهر أن جواز جعل «من» اسما لـ «أن» موقوف على ثبوت اسميتها. والمصنف عكس فجعل ثبوت اسميتها موقوفا على أنه لا يليها مع مجرورها بعد «أن» إلا الخبر.
(٢) أبو الحسين عبيد الله بن أحمد الإشبيلي لم يكن في طلبة الشلوبين أنجب منه. له الملخص، وشرح الكتاب، وشرح جمل الزجاجي وغيرها (ت: ٦٨٨ هـ) راجع: البغية (٢/ ١٢٥، ١٢٦).
(٣) التذييل (٤/ ٢) بغير نسبة إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>