للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الكلام غير موجب واستعمال «قلما» بالوجهين سائغ في كلام العرب.

ومنها: أنك عرفت اختيار المصنف مذهب الأخفش في أن «من» تزاد في الكلام الموجب كما تزاد في غير الواجب، وأن كون مدخولها معرفة لا يمتنع.

والمنقول عن الكوفيين (١) أنهم يرون زيادتها في الواجب ولكنهم يشترطون أن يكون مدخولها نكرة كما هو مذهب البصريين، وقد تقدم استدلال المصنف على ذلك والمنتصرون لمذهب البصريين أجابوا عن جميع ما استدل به.

أما قوله تعالى: وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (٢) فقالوا فيه: إن الفاعل مضمر أي: ولقد جاءك هذا النبأ، ومِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ في موضع الحال أي:

كائنا من نبأ المرسلين؛ لأن قبله: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا (٣)، فأخبر تعالى أن هذا النبأ الذي جاءك هو من نبأ المرسلين فتأسّ بما جرى لهم. ولك أن تقول: كون النبأ الذي جاءه صلّى الله عليه وسلّم هو من نبأ المرسلين قد علم قبل من قوله تعالى: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وإذا كان قد علم فكيف يخبر ثانيا أنه من نبئهم؟!

ولا شك أن كون نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ هو فاعل (جاء) هو الظاهر.

وأما قوله تعالى: يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ (٤) فأجابوا عنه بأن من فيه للتبعيض، ولو قيل: إنها للبيان؛ لكان أقرب. وأما قوله تعالى: وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ (٥)، ويَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ (٦) فأجابوا عنه بأن الذي يكفر بعض السيئات، والذي يغفر بعض الذنوب؛ لأن ما كان فيه تبعة لآدمي لا يكفر، ولأن المغفور بالإيمان ما اكتسبوه من الكفر لا ما يكتسبونه في الإسلام من الذنوب، وما تقدم لهم من الذنوب في حال الكفر بعض ذنوبهم وإذا كان كذلك فـ «من» في الآيتين الشريفتين للتبعيض. وقد قيل في يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ: إن (يغفر) ضمن معنى يخلص؛ التقدير: يخلصكم من ذنوبكم؛ لأن الكافر ذنوبه -


(١) راجع في: الارتشاف (ص ٧٢٧)، والتذييل (٤/ ٧)، والتصريح (٢/ ٩)، والكشاف (٣/ ٥٢٧).
(٢)،
(٣) سورة الأنعام: ٣٤.
(٤) سورة الكهف: ٣١.
(٥) سورة البقرة: ٢٧١.
(٦) سورة الأحقاف: ٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>