للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كانُوا مُسْلِمِينَ (١): فإن قلت: ما معنى التقليل هاهنا؟ قلت: هو وارد على مذهب العرب في قولهم: لعلك ستندم على فعلك، وربما يندم الإنسان على ما فعل ولا يشكون في تندمه ولا يقصدون تقليله، ولكنهم أرادوا لو كان الندم مشكوكا فيه أو كان قليلا لحق عليك أن لا تفعل هذا الفعل؛ لأن العقلاء يتحرزون من التعرض للغم المظنون كما يتحرزون من الغم المتيقن، ومن القليل منه كما يتحرزون من الكثير وكذلك المعنى في الآية الشريفة: لو كانوا يودون الإسلام مرة واحدة لكانوا حقيقين بالمسارعة إليه فكيف وهم يودونه في كل ساعة (٢). قلت: في هذا الكلام ما يناقض كلامه في قَدْ نَرى (٣) وقَدْ نَعْلَمُ (٤) وقَدْ يَعْلَمُ (٥) من دلالة «ربما» على التكثير؛ لأنه نسب إليها هنا التقليل، وتكلف في تخريجه ما لا حاجة إليه، ولا دلالة عليه، ثم اعترف بقول العرب: ربما يندم الإنسان على ما فعل، وبأنهم لا يقصدون تقليله فهو حجه عليه، وعلى من وافقه.

وأظنه في هذا التأويل قلّد ابن السراج فإنه قال: قالوا في قوله تعالى: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ بأنه لصدق الوعدة كأنه قد كان (٦) كما قال تعالى: وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ (٧). والصحيح عندي: أن «إذ» قد يراد بها الاستقبال كما يراد بها المضي؛ فمن ذلك قوله تعالى: فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٧٠) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ (٨)، وقوله تعالى: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (٩) فأبدل يَوْمَئِذٍ من «إذا» فلو لم تكن «إذ» صالحة للاستقبال ما أبدل «يوم» المضاف [٤/ ٢٥] إليها من «إذا»؛ فإنها لا يراد بها إلا الاستقبال.

والمبرد، وابن السراج، والفارسي، وابن خروف (١٠) يرون وجوب وصف المجرور بـ «ربّ» وقلّدهم في ذلك أكثر المتأخرين مع أنه خلاف مذهب سيبويه (١١). -


(١) سورة الحجر: ٢.
(٢) الكشاف (٢/ ٤٤٣، ٤٤٤).
(٣) سورة البقرة: ١٤٤.
(٤) سورة الأنعام: ٣٣.
(٥) سورة النور: ٦٤.
(٦) في الأصل: قال.
(٧) سورة سبأ: ٥١، وانظر: الأصول لابن السراج (١/ ٣٣٥).
(٨) سورة غافر: ٧٠، ٧١.
(٩) سورة الزلزلة: ٤.
(١٠) ينظر: الأصول (١/ ٣٣٤)، والتذييل (٤/ ٣٧)، والمقتضب (٤/ ١٣٩، ١٥٠، ٢٨٩).
(١١) راجع: الكتاب (١/ ٤٢٧)، (٢/ ٢٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>