للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الجملتين كانت المسألة جائزة، وإلا فهي ممتنعة. فعلى هذا يجوز جدعت زيدا أنفه لأنك لو قلت جدعت زيدا جدعت أنفه كان الاكتفاء بكل واحدة من الجملتين سائغا. ومن ذلك قول جرير:

٣٢١٥ - هذي الّذي جدعت تيما معاطسها ... ثمّ اقعدي بعدها يا تيم أو قومي (١)

ولو قلت: قطعت زيدا أنفه لم يجز؛ لأنك لو قلت قطعت زيدا قطعت أنفه لم يكن الاكتفاء بالجملة الأولى سائغا. ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول: قطعت زيدا وأنت تريد بذلك أنك قطعت أنفه كما يجوز لك أن تقول: جدعت زيدا وأنت تريد جدعت أنفه ويجوز أن تقول: ما أفصح زيدا لسانه لأنك تقول: ما أفصح زيدا، ما أفصح لسانه، فيحصل الاكتفاء بكل من الجملتين. ولو قلت ما أفصح كلام زيد لسانه لم يجز وذلك؛ لأنك لو قلت: ما أفصح كلام زيد ما أفصح كلام لسانه لم يكن الاكتفاء بالجملة الثانية سائغا، ألا ترى أنك لا تقول: ما أفصح كلام لسان زيد وإنما تقول: ما أفصح كلام زيد أو ما أفصح من زيد. انتهى.

وقد عرفت أن مما مثل به المصنف لبدل البعض قوله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا (٢) وقال: إن ذلك على الوجهين وكأنه يقصد بالوجه الآخر أن تكون «من» فاعله «بحجّ» كأنه قيل: أن يحج البيت من استطاع إليه سبيلا (٣) لكن قال ابن عصفور: أن هذا القول فاسد من جهة المعنى، وذلك أن المعنى يصير إلى أن الله تعالى له على الناس كافة مستطيعهم وغير مستطيعهم أن يحج البيت المستطيع (٤).

قال: وهذا خلف (٥). هذا كلامه. ولا يظهر لي امتناع أن يقال: فرض الله تعالى على الناس أن يحج البيت المستطيع منهم. ثم ذكر ابن عصفور وجها ثالثا وعزاه إلى الكسائي وهو أن: من تكون شرطا والجواب محذوف كأنه قيل: فعلم -


(١) البيت من البسيط - ديوان جرير (٣٩٤) برواية: مواسمها بدل معاطسها.
(٢) سورة آل عمران: ٩٧.
(٣) راجع في ذلك البحر المحيط (٣/ ١٠)، وحاشية الشريف الجرجاني على الكشاف (ط بيروت) (٢/ ٤٤٨، ٤٤٩).
(٤) شرح الجمل (١/ ٢٨١).
(٥) السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>