للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الإسناد إلى معنى الجملة.

وقد عرف أن الإسناد اللفظي غير مختص بالاسم. ولا تظن أن هذا نظير قولنا ضرب فعل ماض؛ لأن الاسناد هنا إلى اللفظ دون نظر إلى المعنى. وأما في ما نحن بصدده وإن كان الإسناد فيه إلى اللفظ فمعنى اللفظ المسند إليه مقصود أيضا كما أن اللفظ مقصود.

وأما قوله في الآية الشريفة الثانية وهي: هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ (١) إن هذه الجملة محكية بحال محذوفة أي قائلين: «هل هذا إلا بشر مثلكم» (٢) فغير ظاهر؛ لأن المراد إظهار ما أسروه وتكلموا به قاصدين إخفاءه عن المؤمنين واستيقاف بعضهم بعضا عن اتباع النبي صلّى الله عليه وسلّم والذي أسروه هو قولهم: هل هذا إلا بشر مثلك

فالقصد من الآية الشريفة الإخبار بعين ما تكلموا به سرّا، فالنجوى التي أسروها هي هذا الكلام لا غيره. وتخريج الشيخ لا يقتضي أن يكون الذي أسروه هو هذا، بل يقتضي أن يكون الذي أسروه شيئا آخر وأنهم أسروا ذلك حال قولهم: هل هذا إلا بشر مثلكم.

ولا شك في أن هذا يبعد أن يكون مرادا.

وانظر إلى حذق هذا الرجل - الذي هو الزمخشري - في قوله مشيرا إلى الجملة الاستفهامية «هذا الكلام كله في محل النصب بدلا من النجوى» (٣).

ولا شك أنه هدي في ما قاله إلى الصواب، ثم قد تبين أن المصنف لم يكن مستبدّا بالقول بأن الجملة تبدل من مفرد ولم يكن هو المنتزع لما قاله من الأدلة التي ذكرها بل قال ابن جني بذلك في شيء (٤) وقال الزمخشري به في شيء آخر، وكذا قال ابن عصفور وغيره من النحاة به في الشيء الآخر (٥) فكيف يقول الشيخ: وهذا الذي انتزعه - يعني المصنف - من هذه الدلائل على زعمه منازع فيه ومنازع في ما استدل به. لم يكن هو المنتزع ولا المستدل بل المنتزع والمستدل غيره. والذي انتزعه هو واستدل به إنما هو قوله تعالى: ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ (٦) -


(١) سورة الأنبياء: ٣.
(٢) التذييل (٤/ ١٤٧).
(٣) الكشاف (٣/ ٨٠).
(٤) ينظر المحتسب (٢/ ٦٢، ٢٦٣).
(٥) شرح الجمل (١/ ٢٨١) وما بعدها.
(٦) سورة فصلت: ٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>