وأنا أذكر الآن ما يتعلق بكل من الأحرف الثلاثة حرفا حرفا.
أما بل: فلم يتعرض عند ذكرها إلى تفصيل الواقع بعدها بين أن يكون جملة أو مفردا.
والإشارة إلى ذلك متعينة فان الواقع بعدها جملة ليست بعاطفة وإنما هي لمجرد الإضراب وظاهر كلامه يقتضي بنسبة العطف إليها على الإطلاق. ونصوص النحاة على أن بل إنما يعطف بها المفرد وكلامه في شرح الكافية يقتضي الإطلاق أيضا.
فإنه قال:
وأما بل فإنها للإضراب وحالها فيه مختلف فإن كان الواقع بعدها جملة فهي للتنبيه على انتهاء غرض واستئناف غيره ولا تكون في القرآن العزيز إلا على هذا الوجه. وإن وقع بعدها مفرد وليس قبله نفي ولا نهي فهي لإزالة حكم ما قبلها وجعله لما بعدها نحو: جاء زيد بل عمرو، وخذ هذا بل ذاك. وإن كان قبل المفرد نفي أو نهي آذنت بتقرير حكمه وبجعل ضده لما بعده فزيد من قولك ما قام زيد بل عمرو قد قرر نفي قيامه وعمرو قد أثبت قيامه وخالد من قولك: لا تضرب خالدا بل بشرا قد قرر النهي عن ضربه وبشر قد أمر بضربه (١). انتهى.
وقوله: في ما وليت نفيا أو نهيا أنها آذت بتقرير حكمه وبجعل ضده لما بعده أصرح في المقصود من قوله - أنا أعني في متن الكتاب - أنه مقرر بعد تقرير نهي أو نفي لأنه وإن كان مقررا فلا يدري أهو مقرر الثبوت أم النفي. ولهذا الذي قلته ذكر في الشرح الثبوت والنفي فقال: معنى المقرر الممكن في ما يراد به من ثبوت أو نفي.
على أن هذا الكلام غير واف بالمقصود لأنه وكّل أمر الثبوت والنفي إلى إرادة المتكلم. والغرض أن بل إذا وليت نهيا أو نفيا أفادت إثبات ضد ذلك لما بعدها بالوضع فليس الأمر في ذلك موكولا إلى الإرادة.
ثم إن قوله في شرح الكافية أن بل إذا لم يكن قبلها نفي ولا نهي كانت لإزالة حكم ما قبلها وجعله لما بعدها لا يطابق قوله هنا: أو بعد إيجاب لمذكور موطأ به بل ربما يدافعه؛ لأنه إذا كان موطأ به كان حكمه ثابتا غير مزال.
وقد قال الإمام بدر الدين في شرح قول والده في الألفية: -