للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والنهي فيما ذكرنا كالأمر فإنما ينجزم بعده المضارع إذا كان جوابا لما يدل عليه (١) دلالة ظاهرة ويستلزمه لزوما بيّنا وهو شرط ترك الفعل المنهي عنه، وعلامة ذلك: صحة تقدير «إن لا تفعل» مكان النهي، تقول: لا تعص الله تنل رضاه؛ لأنك لما نهيت عن المعصية وطلبت تركها دل على أنه سبب وشرط لشيء وكان ذلك الشيء عندك نيل الرضا؛ فجزمت بناء على ما دل عليه النهي كأنك قلت: إن لا تعص الله تنل رضاه، وتقول: لا تدن من الأسد يأكلك؛ فترفع على الاستئناف، ولا يجوز جزمه على معنى: إن لا تدن من الأسد يأكلك؛ لأن التباعد من الأسد لا يكون سببا لأكله، ولا على معنى: إن تدن من الأسد يأكلك؛ لأن لفعل النهي دلالة ظاهرة على أن تركه شرط لفائدة فيصح جزم الفعل بعده إذا حسن تقدير «إن لا تفعل» مكانه وجعل ذلك الفعل جوابا، وليس لفعل النهي دلالة ظاهرة على أن فعله شرط لشيء فلا يجوز جزم [٥/ ١٢٨] الفعل بعده بأنه جواب لشرط مخالف، وأجاز الكسائي فيه الجزم كما يجوز فيه النصب بعد «الفاء»، قال سيبويه (٢): لا تدن من الأسد يأكلك، قبيح إن جزمت وليس وجه كلام الناس؛ لأنك لا تريد أن تجعل تباعده من الأسد سببا لأكله فإن رفعت فالكلام حسن، وإن أدخلت الفاء فحسن، وذلك قولك: لا تدن من الأسد فيأكلك، وليس كل موضع تدخل فيه الفاء يحسن فيه الجزم ألا ترى أنك تقول: ما تأتينا فتحدثنا، والجزاء هنا محال، وإنما قبح الجزم في هذا؛ لأنه لا يجيء فيه المعنى الذي يجيء إذا دخلت الفاء.

ومراد سيبويه بـ «قبيح» أنه غير مستعمل، وب «حسن» أنه مستعمل.

وحاصل الفرق بين النصب والجزم بعد النهي: أن الجزم إنما يجوز في فعل يصح كونه جوابا لشرط مقدر دل عليه النهي كما في قولك: لا تدن من الأسد تنج، وأما النصب فإنما يجوز في فعل مسبب عن فعل قبل «الفاء» منهي عنه طلبا لنفي المسبب بانتفاء سببه كما في قولك: لا تعص الله فتدخل النار، فالمجزوم بعد النهي لنفي ما قبله، والمنصوب بعده لازم لثبوت ما قبله، فوضح الفرق بين الموضعين. وتقول: لا تدن من الأسد فتسلم بالرفع على إضمار مبتدأ، أو على الاستئناف، ولا يجوز أن ينصب؛ لأن دنو -


(١) على هامش النسخة (جـ)، (أ) عند هذا الموضع أشار الناسخ إلى أن هاهنا حاشية من خطه وهي: «أي أن يجعل ترك الفعل شرطا لما بعده تقديرا» اه.
(٢) انظر: الكتاب (٣/ ٩٧) وقد نقله بتصرف يسير.

<<  <  ج: ص:  >  >>