للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كقولك: ألم أحسن إليك؟ وكقوله تعالى: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (١) فإن كان بالمعنى الأول لم يجز دخول نعم في جوابه إذا أردت إيجابه، بل تدخل حينئذ بلى، وإن كان بالمعنى الثاني وهو التقرير، فللكلام حينئذ لفظ ومعنى، فلفظه نفي دخل عليه الاستفهام ومعناه الإثبات، فبالنظر إلى لفظه يجيبه ببلى وبالنظر إلى معناه وهو كونه إثباتا يجيبه بنعم، قال (٢): وهذا مراد ابن عصفور بقوله: وذلك بالنظر إلى المعنى إذا أمن اللبس، أي: إذا علم أن المراد بالكلام التقرير لا الاستفهام عن النفي، قال: والذي يقرر عندك أن معنى التقرير الإثبات، قول ابن السراج (٣): فإذا أدخلت على ليس ألف الاستفهام كانت تقريرا ودخلها معنى الإيجاب فلم يجئ معها أحد، لأن أحدا إنما يجيء مع

حقيقة النفي، لا تقول: أليس أحد في الدار؟

لأن المعنى يؤول إلى قولك: أحد في الدار، وأحد لا تستعمل في الواجب، وكذلك لا يجوز أن تجيء إلا مع التقرير، لا تقول: أليس زيد إلا فيها؟ لأن المعنى يؤول إلى قولك: زيد إلا فيها وذا لا يكون كلاما». انتهى (٤).

وهو كلام حسن وقد خلا الإشكال، وحقق قوله أولا: وبلى يوجب النفي نحو قولك لمن قال: لم يقم زيد أو ألم يقم زيد؟ ولم ترد به التقرير إذا أردت أن القيام قد حصل. ولكن قد قال ابن عصفور في غير المقرّب» (٥):

«أجرت العرب التقرير في الجواب مجرى النفي المحض وإن كان إيجابا في المعنى، فإذا قيل: ألم أعطك درهما؟ قيل في تصديقه: نعم، وفي تكذيبه: بلى، وذلك لأن المقرر قد يوافقك فيما تدعيه وقد يخالفك، فإذا قال: نعم، لم يعلم هل أراد: نعم لم يعطني على اللفظ، أو نعم أعطيتني على المعنى. فلذلك أجابوا لى اللف ولم يلتفتوا إلى المعنى» انتهى.

لا يخفى ضعف هذا التعليل الذي ذكه، وقد خالف كلمه هنا كلامه في «المقرّب» ولذي في «المقرب» هو الذي يقتضيه النظر، وقد تقدمت الإشارة إلى أنه هو الظاهر. -


(١) سورة الضحى: ٦.
(٢) أي الشيخ بهاء الدين بن النحاس.
(٣) انظر أصول النحو لابن السراج (١/ ٤٩).
(٤) انظر تعليقات ابن النحاس على مقرب ابن عصفور ورقة (١٢٥) (مكتبة الأزهر ٤٩٤٧).
(٥) انظر شرح الجمل لابن عصفور (رسالة) (٢/ ٤٨٥) وقد نقله عنه بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>