للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ يُسْتَحَبُّ أَلَّا يَتَصَدَّقَ حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ. قُلْت الْأَصَحُّ تَحْرِيمُ صَدَقَتِهِ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِنَفَقَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، أَوْ لِدَيْنٍ لَا يَرْجُو لَهُ وَفَاءً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي اسْتِحْبَابِ التَّصَدُّقِ بِمَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ أَوْجُهٌ: أَصَحُّها إنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ الصَّبْرُ اسْتُحِبَّ، وَإِلَّا فَلَا

(ومن عليه دين) لله أو لآدمي (أو له من تلزمه نفقته يستحب) له (ألا يتصدق حتى يؤدي ما عليه)؛ تقديما للأهم، والمراد أن المسارعة لبراءة الذمة أولى وأحق من التطوع على الجملة. (قلت الأصح تحريم صدقته) ومنها إبراء مدين له موسر مقرٍّ أو له به بينة (بما يحتاج إليه) حالا، أي يومهم وليلتهم (لنفقة) ومؤنة (من تلزمه نفقته، أو لدين) ولو مؤجلا لله (١)، أو لآدمي (لا يرجو) أي يظن (له وفاء) حالا في الحال، وعند الحلول في المؤجل من جهة ظاهرة. (والله أعلم) ; لأن الواجب لا يجوز تركه لسُنَّة، ومع حرمة التصدق يملكه الآخذ، نعم يجوز التصدق إذا كان من تلزمه نفقته بالغا عاقلا وعُلم منه الرضا والصبر والإيثار، وأما ما يحتاجه لنفقة نفسه فإن صبر على الإضاقة جاز به التصدق به وإلا فلا. و أما إذا ظن وفاء الدين من جهة ظاهرة ولو عند حلول المؤجل فلا بأس بالتصدق حالا، بل قد يسن، نعم إن وجب أداؤه فورا لطلب صاحبه له أو لعصيانه بسببه مع عدم علم رضا صاحبه بالتأخير حرمت الصدقة قبل وفائه مطلقا كما تحرم صلاة النفل على من عليه فرض فوري (وفي استحباب التصدق بما فضل عن حاجته) السابقة من حاجة نفسه وممونه يومهم وليلتهم وكسوة فصلهم ووفاء دينه (أوجه) أحدها يسن مطلقا ثانيها لا يسن مطلقا ثالثها، وهو (أصحها) أنه (إن لم يشق عليه الصبر استحب) ; لأن ((الصِّدِّيْقَ -رضي الله عنه- وكرم وجهه تصدق بجميع ماله وقبله منه النبي -صلى الله عليه وسلم-) (وإلا) بأن شق عليه الصبر (فلا) يستحب له بل يكره (٢)؛ للخبر الصحيح ((خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى)) أي: غنى النفس وهو صبرها على الفقر. أما التصدق ببعض الفاضل عن ذلك فيسن اتفاقا، نعم المقارب للكل كالكل. وخرج بالصدقة الضيافة فلا يشترط فضلها عن مؤنة من ذكر، ومحله إذا لم يؤدِّ إيثارُها إلى إلحاق أدنى ضرر بممونه الذي لا رضا له بذلك.

[فرع] يكره إمساك الفضل وغير المحتاج إليه، وهو ما زاد على كفاية سنة.


(١). ولو قال هذه الزكاة عن مالي الغائب فبان تالفا وقع صدقة ذكره الشارح في تعجيل الزكاة ٣/ ٣٦٠.
(٢). حملها في شرح الروض على كراهة التحريم.

<<  <  ج: ص:  >  >>