ثمّ بعد تحصيله الحديثَ على هؤلاء الأجلّة اشتغل بالفقه ودراسة متونه، فبذل فيه جُهْده وفرّغ إليه وقته، فقرأ فيه على جماعة كثيرين قال فيهم الشيخ رحمه الله:((تفقهتُ بجماعة كثير لا يحتمل الزمانُ ذكرهم على سبيل الاستيعاب)).
ومن هؤلاء: الإمامُ شهاب الدين أحمد الرّملي، والإمام ناصر الدين الطبلاوي، وتاج العارفين الإمام الكبير أبي الحسن البكري، وغيرهم.
قال الفاكهي:((اشتغل بحلِّ متونه، فبذل فيه جهده وماء عيونه، حتى أجازه المذكورون وغيرهم في أواخر سنة تسعٍ وعشرين بالإفتاء والتدريس وعمره دون العشرين من غير سؤال منه في ذلك)).
وقد ذكر الفاكهي أيضاً: أن أكثر من انتفع به الشيخُ ابن حجر في الفقه من مشايخه المذكورين هو شيخه الطبلاوي الشافعي، قال: حتى قيل: ((هو الذي حنكه بلبان التعليم، ودرجه في مدارج التفهم والتفهيم، وبلغه في الفقه أشده)). لكن بمعونة المطالعة لدروس التقسيم على الشهاب العالم الصالح البلقيني في عنفوان الطلب القديم.
ثم قال:((ثم أكثر مَن لازمه بعد أن تميز بالفضيلة وبلوغ الأشد شيخاه الجليلان الذي أحدهما كالساعد والسعد، والآخر كالسيد والعضد الشيخ أبو الحسن تاج العارفين البكري الصديقي الشافعي فريد عصره في الحفظ والفصاحة والعرفان، الذي كاد أن يفصح إن لم يكن أفصح أنه مجتهد الزمان، وشيخه الشيخ شهاب الدين الرملي الأنصاري الشافعي فقيه مصر المتقدم في كلام شيخنا أنه من أجل جماعة شيخ الإسلام زكريا ولعل ذلك لا يختلف فيه اثنان.
غير أن شيخه التاج البكري أعانه على الطلب وقوام الأود أو بعضه وأنزله في منزله وجعله من خواص أتباعه وأهله بأهله … )).