للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ سُنَّةٌ: وَتَحِلُّ لِغَنِيٍّ،

(فصل) في صدقة التطوع (١)

(صدقة التطوع سنة (٢) مؤكدة؛ للآيات والأحاديث الكثيرة الشهيرة فيها، وقد تحرم كأن علم أو ظنَّ من الآخذ أنه يصرفها في معصية. ولا تجب للمضطر؛ لعدم وجوب البذل له إلا بثمن ولو في الذمة لمن لا شيء معه، نعم قد تجب له إن لم يكن المضطر أهلا للالتزام ولم ينو الرجوع. وسيأتي في السير أنه يلزم المياسير على الكفاية نحو إطعام المحتاجين (وتحل لغني) -بأن وجد ما يكفيه هو وممونه يومهم وليلتهم وسترتهم وآنية يحتاجون إليها-؛ للخبر الصحيح به، ويكره للغني -وإن لم يكفه ماله أو كسبه إلا يوما وليلة- التعرض لأخذها كما يكره له أخذها إن لم يظهر الفاقة أو يسأل، فإن أظهر الغنيُّ الفقرَ أو سأل حرم عليه قبولها، ولا عبرة في اعتبار غناه بكسب حرام أو غير لائق به، نعم يستثنى من تحريم سؤال القادر على الكسب ما إذا كان مستغرق الوقت في طلب العلم، والأوجه جواز سؤال ما يحتاج إليه بعد يوم وليلة إن كان السؤال غير متيسر عند نفاد ذلك وإلا امتنع، وعلى الجواز له أن يطلب ما يحتاج إليه إلى وقت يعلم عادة تيسر السؤال والإعطاء فيه. ولا يحرم على من علم غِنَى سائل أو مظهر للفاقة الدفع إليه. وظاهر أن سؤال ما اعتيد سؤاله بين الأصدقاء ونحوهم مما لا يشك في رضا باذله وإن علم غنى آخذه كقلم وسواك لا حرمة فيه؛ لاعتياد المسامحة به. ومن أعطي لوصف يظن به كفقر أو صلاح أو نسب -بأن توفرت القرائن أنه إنما أعطي بهذا القصد أو صرح له المعطي بذلك- وهو باطنا بخلافه حرم عليه الأخذ مطلقا، ومثله ما لو كان به وصف باطنا لو اطلع عليه المعطي لم يعطه، ويجري ذلك في الهدية أيضا، ومثلها سائر عقود التبرع كهبة ووصية ووقف ونذر، ويندب للفقير (٣) التنزه عن قبول صدقه التطوع إن شك في الحل أو كان فيه هتك للمرؤة أو دناءة في التناول، ومتى أذل نفسه أو ألحَّ في السؤال أو آذى المسئول حرم اتفاقا وإن كان محتاجا، وفي الإحياء ((متى أخذ من جوزنا له المسألة عالما بأن


(١). ذكر الشارح في كتاب الأضحية أنها أفضل من صدقة التطوع ٩/ ٣٤٤.
(٢). ويسن لمعطي صدقه أن يقول: ((ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم))، كما مر في الزكاة ٣/ ٢٣٩.
(٣). فرضه المغني وشرح المنهج في الغني.

<<  <  ج: ص:  >  >>