وقد قرأ الشيخ رحمه الله في شتىّ العلوم غير الفقه والحديث الأشياءَ الكثيرةَ على أئمة كبار ومن ذلك:
قراءته للحديثَ الشريفَ وفنونَه، و التفسير، علم الكلام أصول الدين، و علم أصول الفقه، و النحّو، و الصّرف، و المعاني والبيان، و المنطق، و الفرائضَ والحِسَاب، و الطّبَّ، و التصّوف.
والحاصلُ: أنَّ مقروآته كثيرة لا يمكن تعدادُها، وأما إجازاتُ المشايخ له فكثيرة جداً استوعبها في ((ثبته ومعجم شيوخه)).
وهكذا ما زال ابنُ حجر ينتقل في الأزهر من درس إلى درس، ويدور على شيوخه، طالباً تحقيق العلوم، وتحرير هاتيك الرّسوم، كلُّ ذلك مع دِقّة الفَهْم والملاحظة، وجودة ما رُزق منَ الحافظة، فأكمل الطلب وأجاد، مع علوّ الكعب والإسناد، فما وَسع شيوخه إلا إجازتهُ، بكلّ ما يخصُّ أو يعُمُّ نفعُه وحاجتُه.
هذا هو حال ابنُ حجر في تحصيل العلوم، وقد كان رحمه الله خلال ذلك يُقاسي شدائد الفقر وحَسَدَ الأقران.
أما الأول؛ فإنه يقول:((قاسيتُ في الجامع الأزهر من الجوع ما لا تحتمله الجبلة البشرية، لولا معونة الله وتوفيقه، بحيث إني جلستُ فيه نحو أربع سنين ما ذقت اللّحم إلاّ في ليلة دُعينا لأكلٍ فإذا هو لحمٌ يوقَدُ عليه، فانتظرناه إلى أن ابهارَّ الليل، ثمّ جيء به، فإذا هو يابسٌ كما هو نيءٌ فلم أستطع منه لقمةً)).
و يقول:((وكابدت في أربع سنين بالجامع الأزهر ما لا يطيقُ الغير مكابدته في عشرين سنة)).
و قال:((ما كان قوتي في أيام الطلب إلا من قشر الحبحب والخبز المتناثر، كنت ألتقطها من جامع الأزهر واجعل عليها قشر الحبحب وأبتلع بها، ولم تطب نفسي لأن أقتات من جراية المسجد)).
أما حَسَدُ أقرانه وإيذاؤهم له فيقول:((وقاسيتُ أيضاً من الإيذاء من بعض أهل الدروس التي كنا نحضرها ما هو أشدُّ من ذلك الجوع، إلى أن رأيتُ شيخَنا ابنَ أبي الحمائل السابق قائماً بين يدي سيدي أحمد البدوي فجيء باثنين كانا أكثر إيذاء لي فضربهما بين يديه بأمرين فمزقا كل ممزق)).