للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[كتاب السير]

كَانَ الجِهَادُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَرْضَ كِفَايَةٍ، وَقِيلَ فَرْضُ عَيْنٍ. وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلِلْكُفَّارِ حَالَانِ: أَحَدُهُمَا يَكُونُونَ بِبِلَادِهِمْ فَفَرْضُ كِفَايَةٍ

[كتاب السير]

جمع سيرة وهي الطريقة والمقصود منها هنا أصالة الجهاد (١). والأصل فيه الآيات الكثيرة والأحاديث الصحيحة الشهيرة (كان الجهاد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) قبل الهجرة ممتنعا; لأن الذي أمر به -صلى الله عليه وسلم- أول الأمر هو التبليغ والإنذار والصبر على أذى الكفار تألفا لهم، ثم بعدها أذن الله تعالى للمسلمين في القتال -بعد أن نُهيَ عنه في نيف وسبعين آية- إذا ابتدأهم الكفار به فقال {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} البقرة: ١٩٠، فهو من حين الهجرة كان (فرض كفاية (٢) لكن على التفصيل المذكور إجماعا بالنسبة لفرضيته (وقيل فرض عين)؛ لقوله تعالى {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} التوبة: ٣٩، والقاعدون في الآية كانوا حُراساً. (وأما بعده فللكفار) الحربيين (حالان:

أحدهما يكونون) أي كونهم (ببلادهم) مستقرين فيها غير قاصدين شيئا (فـ) الجهاد حينئذ (فرض كفاية) إجماعا، ويحصل إما بتشحين الثغور -وهي محال الخوف التي تلي بلادهم- بمكافئين لهم لو قصدوها مع إحكام الحصون والخنادق وتقليد ذلك للأمراء المؤتمنين المشهورين بالشجاعة والنصح للمسلمين، وإما بأن يدخل الإمام أو نائبه بشرطه دارهم بالجيوش لقتالهم. وظاهرٌ أنه إن أمكن بعثها في جميع نواحي بلادهم وجب، وأقله مرة في كل سنة فإذا زاد فهو أفضل، وأما ادعاء إيجاب الجهاد كل سنة مرة مع تحصين الثغور فهو وإن أفهمته عبارات لكنه إنما يتجه حيث لا عذر في تركه مرة في السنة، وقيل يجب أكثر من مرة فيها عند الإمكان، ومحل الخلاف إذا لم تدع الحاجة إلى أكثر من مرة وإلا وجب، وشرطه كالمرة أن لا يكون بنا ضعف أو نحوه كرجاء إسلامهم وإلا أخر حينئذ، ويسن أن يبدأ بقتال


(١). للزركشي هنا مقولة نقلها المغني وردها الشارح.
(٢). تقدم قبيل الاعتكاف حرمة قطع فرض كفاية هو جهاد أو نسك أو صلاة جنازة ٣/ ٤٦٠، وذكر الشارح في اللقيط أن التقاط المنبوذ فرض كفاية إن علم به جمع وإلا فرض عين ٦/ ٣٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>