للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما يعلم مما يأتي; لأنه محض تشبه وتغرير، ومن ثم إذا قصد به المفتي مصلحة دينية جاز إن بيّن للمستفتي قائل ذلك. ويشترط أيضا اعتقاد أرجحية مقلده أو مساواته لغيره لكن المشهور الذي رجحاه جواز تقليد المفضول مع وجود الفاضل، ولا ينافي ذلك كونه عاميا جاهلا بالأدلة; لأن الاعتقاد لا يتوقف على الدليل؛ لحصوله بالتسامع ونحوه، قال الهروي: مذهب أصحابنا أن العامي لا مذهب له (١) -أي معين يلزمه البقاء عليه- وحيث اختلف عليه متبحران -أي في مذهب إمامه- فكاختلاف المجتهدين. انتهى، وقضيته جواز تقليد المفضول من أصحاب الأوجه مع وجود أفضل منه، نعم محله في عامل عامي لم يتأهل للنظر في الدليل ولم يعلم الراجح من غيره، أما المفتي والعامل المتأهل فليس لأحدهما الاعتماد في مسألة ذات قولين أو وجهين على أحدهما بلا نظر فيه بلا خلاف، بل يبحث عن أرجحهما بنحو تأخره إن كانا لواحد، فإن كانا لأكثر من واحد تخير؛ لتضمن ذلك ترجيح كل منهما من قائله الأهل، ولا يجوز تقليد ما ينقض فيه الاجتهاد مطلقاً. ويشترط أيضا أن لا يتتبع الرخص بأن يأخذ من كل مذهب بالأسهل منه; لانحلال ربقة التكليف من عنقه حينئذ، ومن ثم كان الأوجه أنه يفسق (٢) به. ويشترط أيضا أن لا يلفق بين قولين يتولد منهما حقيقة مركبة لا يقول بها كل منهما، وأن لا يعمل بقول في مسألة ثم بضده في عينها (٣).

[فائدة] من ارتكب ما اختلف في حرمته من غير تقليد أثم بترك تعلم أمكنه، وكذا بالفعل إن كان مما لا يعذر أحد بجهله لمزيد شهرته، أما إذا عجز عن التعلم -ولو لنُقْلَةٍ (٤) أو اضطرار إلى تحصيل ما يسد رمقه أو رمق ممونه- فيرتفع تكليفه كما قبل ورود الشرع. ومن أدى عبادة مختلفا في صحتها من غير تقليد للقائل بها لزمه إعادتها; لأن إقدامه على فعلها عبث، وبه يعلم أنه حال تلبسه بها عالم بفسادها; إذ لا يكون عابثا إلا حينئذ. فخرج من مسَّ فرجه فنسي وصلى فله تقليد أبي حنيفة في إسقاط القضاء إن كان مذهبه صحة صلاته مع عدم


(١). قال الشارح في باب من تلزمه الزكاة: ((وزعم أن العامي لا مذهب له ممنوع، بل يلزمه تقليد مذهب معتبر وذاك إنما كان قبل تدوين المذاهب واستقرارها)) ٣/ ٣٣٠.
(٢). خلافا لشرح الروض من أنه لا يفسق بتتبعها من المذاهب المدونة.
(٣). مثَّل ذلك الشارح مع زيادة إيضاح في شرحه لخطبة الكتاب.
(٤). بأن لم يستطع الانتقال إلى بلد يتعلم فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>