للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابتداءُ رحلاته إلى بلد الله الحرام وما وقع له فيها من الحوادث:

وفي سنةِ ثلاثٍ وثلاثين حجَّ هو وشيخه الإمام أبو الحسن البكري، وجاورا بمكّة سنة أربعٍ وثلاثين، وخطر له أنْ يؤلّف في الفقه، فتوقف إلى أن رأى في النوم الحارث بن أسد المحاسبي المتوفى سنة ٢٤٣ هـ وهو يأمره بالتأليف فاستبشر وألف.

قال الشيخ رحمه الله: ((وأذكرني ذلك ما كنتُ رأيتُه أيام الطلب، فإني رأيت امرأةً في غاية الجمال كشفت لي عن أسفل بطنها وقالت: اكتب على هذا متناً بالأحمر وشرحاً بالأسود. ثم انتبهت ففزعت، حتى قيل لي في تعبيره: ستظهر مؤلفاتك في الدنيا بعد خفائها الكلي ظهوراً عظيماً. فاستبشرتُ وابتدأتُ في (شرح الإرشاد).

ثمّ رجع من مكة إلى مِصْر، وعمل على اختصار ((الروض)) للإمام ابن المُقري اليمني، وشَرَحَهُ.

وفي سنة سبع وثلاثين حجّ بعياله بصحبة شيخه البكري أيضاً، وجاور سنة ثمانٍ، أتمَّ فيها شرحَه على مختصر ((الروض)).

وفي سنة أربعين حجّ أيضاً بعياله هو وشيخه المذكور، وجاور سنةَ إحدى وأربعين.

ثمّ عزم شيخُه على العود إلى مصر، وأقام هو بمكة، ونوى الاستيطانَ بها من ذلك الزمن، وأخذ يؤلف ويفتي ويدرّس.

زيارتُه للمدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام:

ثمّ من مكّة ابتدأ زيارته للدّيار المنوّرة على ساكنها ومنوّرها أفضلُ الصّلاة والسَّلام. فجاورَ بها سنةَ خمسين.

ثمّ أنشأ زيارةً ثانيةً في يوم السبت ثامن عشر شوّال سنة ستٍّ وخمسين، فلما وصَلَ صبيحةَ الأحد إلى وادي مَرِّ الظهران خطر له أنْ يجعل وسيلته إلى المثول في تلك الحضرة النبوية تأليف كتابٍ في ذلك الشأنِ فَصَنّف ((الجوهرَ المنظم في زيارة القبر المكرّم)).

وله زيارةٌ ثالثةٌ أيضاً سنة تِسْع وخمسين. وكان رحمه الله - في تلك الزياراتِ والمجاوراتِ مقدّماً في الخاصّة والعامّة تأتيه العويصاتُ والمشكلاتُ من المسائل والفتاوى فيتصدّى للجواب عنها.

وكان مِن أهمَّ ما وَرَدَ عليه ثَمَّ ما سأله عنه بعض أكابر فضلاء المدينة عمّا إذا اختلف ترجيح المتأخرين والشيخين فما المعتمدُ عليه في ذلك؟ وقد أطال السائل في الاحتجاج والانتصار لاعتماد ترجيح المتأخرين فأجابه ابن حجر بجوابٍ مبسوط متكفل برَدّ جميع ما أطال فيه. وقُرئ ذلك الإفتاءُ بحضرة فضلاء المدينة المشرّفة فلم يمكنْ أحداً منهم أنْ يبديَ فيه شيئاً بل وافقوه وعلموا أنّه الحقّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>