للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَقْضِي بِعِلْمِهِ إلَّا فِي حُدُودِ اللهِ تَعَالَى

لأن المعتمد أن الحكم بالصحة كالحكم بالموجب في تناول جميع الآثار المختلف فيها لكن إن دخل وقت الحكم بها كما هنا، فإن من آثارهما هنا أن الطلاق السابق تعليقه على النكاح لا يرفعه. ولو حكم حنفي مثلا قبل العقد بصحة ذلك التعليق جاز للشافعي (١) عقب العقد أن يحكم بإلغائه; لأنه في الحقيقة فتوى لا حكم؛ لعدم دخول وقته فليس الغاؤه نقضا للحكم; إذ الحكم الحقيقي الممتنع نقضه إنما يكون في واقع وقته دون ما سيقع; لعدم تصور دعوى ملزمة به. والحكم في غير الحسبة إنما يعتد به بعدها، نعم إن ثبت ما قيل عن المالكية أو الحنابلة أنه قد لا يتوقف عليها وأنه قد يسوغ على قواعدهم مثل هذا الحكم لم يبعد امتناع نقضه حينئذ. (والأظهر أنه) أي القاضي ولو قاضي ضرورة (٢) (يقضي بعلمه) -إن شاء- أي بظنه المؤكد الذي يجوز له الشهادة مستندا إليه وإن استفاده قبل ولايته كأن يدعى عنده بمال وقد رآه أقرضه إياه قبل أو سمعه قبل أقر له به مع احتمال الإبراء أو غيره. ولو سمع دائنا أبرأ مدينه فأخبر القاضي المدين بالإبراء فقال مع إبرائه ((دينه باق عليَّ)) عمل به، وليس عمله هذا حكم على خلاف العلم; لأن إقراره المتأخر عن الإبراء دافع له، ولا بد أن يصرح بمستنده فيقول علمت أن له عليك ما ادعاه وقضيت أو حكمت عليك بعلمي، فإن ترك أحد هذين اللفظين لم ينفذ حكمه، ويندب كونه ظاهر التقوى والورع (٣). ويقضي بعلمه في الجرح والتعديل والتقويم قطعا، وكذا على من أقر بمجلسه واستمر على إقراره لكنه قضاء بالإقرار دون العلم، فإن أنكر كان قضاء بالعلم. ولو رأى وحده هلال رمضان قضى به قطعا؛ بناء على ثبوته بواحد (إلا في حدود) أو تعازير (الله تعالى) كحد زنا أو محاربة أو سرقة أو شرب؛ لسقوطها بالشبهة مع ندب سترها في الجملة، نعم من ظهر منه في مجلس حكمه ما يوجب تعزيرا عزره وإن كان قضاء بالعلم. وقد يحكم بعلمه في حد لله تعالى كما إذا علم من مكلف أنه أسلم ثم أظهر الردة فيقضي عليه بموجب ذلك، وكما إذا اعترف في مجلس الحكم بموجب حد و لم يرجع عنه فيقضي فيه بعلمه وإن كان إقراره سرا، وكما إذا ظهر منه في مجلس الحكم على رءوس الأشهاد نحو ردة وشرب خمر. أما حدود الآدميين فيقضي فيها سواء المال والقود


(١). خلافا للمغني.
(٢). وفاقا للأسنى والمغني في غير الفاسق وخلافا للنهاية.
(٣). وفاقا للنهاية وخلافا للأسنى والمغني فاعتمدا الوجوب.

<<  <  ج: ص:  >  >>