للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُبَاحُ قَوْلُ شِعْرٍ وَإِنْشَادُهُ إلَّا أَنْ يَهْجُوَ أَوْ يُفْحِشَ، أَوْ يُعَرِّضَ بِامْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ. وَالمُرُوءَةُ تَخَلُّقٌ بِخُلُقِ أَمْثَالِهِ فِي زَمَانِهِ وَمَكَانِهِ، فَالْأَكْلُ فِي سُوقٍ، وَالمَشْيُ مَكْشُوفَ الرَّأْسِ، ....

حملت الأحاديث بلعنه، أما من يفعل ذلك خلقة من غير تكلف فلا يأثم به (ويباح قول) أي إنشاء (شعر وإنشاده) واستماعه; لأنه -صلى الله عليه وسلم- كان له شعراء يصغي إليهم كحسان -رضي الله عنه-. ويستحب منه ما حذر عن معصية أو حث على خير (إلا أن يهجو) في شعره معينا (١) غير حربي -وإن تأذى قريبه المسلم بخلاف الذمي; لأنه معصوم- وغير مرتد وغير متجاهر بفسق وغير مبتدع ببدعته فيحرم هجاء غير من مر وإن كان مهدراً بنحو زنى أو صدق فيما هجاه به أو كان بتعريض، وترد به شهادته؛ للإيذاء، وإثم حاكيه دون منشئه إلا أن يكون هو المذيع له فيكون إثمه أشد (أو يُفْحِش) أي يجاوز الحد في الإطراء في المدح ولم يمكن حمله على المبالغة فيحرم أيضا; لأنه حينئذ كذب، وترد به الشهادة إن أكثر منه وإن قصد إظهار الصنعة لا إيهام الصدق (أو يُعَرِّض بامرأة معينة) بأن يذكر صفاتها من نحو طول وحسن وصدغ وغيرها فيحرم أيضا وترد به شهادته لما فيه من الإيذاء وهتك الستر إذا وصف الأعضاء الباطنة، ومحله في غير حليلته أما هي فإن ذكر منها ما حقه الإخفاء كما يتفق بينهما عند الخلوة حرم (٢) وردت شهادته أيضا وإلا فلا; لأن كعب بن زهير -رضي الله عنه- شبَّب بزوجته بنت عمه سعاد في قصيدته بانت سعاد المشهورة. وفي حكم المرأة الأمرد المعين. وخرج بالمعينة غيرها فلا إثم فيه ولا ترد به الشهادة; لأن غرض الشاعر تحسين صنعته لا تحقيق المذكور فيه، ومحله إن لم يكثر منه. ويقع لبعض فسقة الشعراء نصب قرائن تدل على التعيين وهذا لا شك أنه معين (والمروءة تخلق بخلق أمثاله في زمانه ومكانه) ; لأن الأمور العرفية تختلف بذلك غالبا بخلاف العدالة فإنها مَلَكَة راسخة في النفس لا تتغير بعروض مناف لها، والمراد بخلق أمثاله المباحة غير المزرية به فلا نظر لخلق القلندرية في حلق اللحى ونحوها (فالأكل في سوق والمشي) فيه (مكشوف الرأس) أو البدن غير العورة، أو كشف ذلك فيها وإن لم يمشِ ممن لا يليق به ذلك (٣) وإن كان الأكل ماشيا لتافه -ما لم يكن خاليا- يسقطها؛ لما ورد أن ((الأكل في السوق


(١). ظاهر المغني والأسنى أن كونه معينا ليس قيدا.
(٢). خلافا لهم من اعتماد الكراهة.
(٣). راجع لجميع ما مر.

<<  <  ج: ص:  >  >>