هذا الكلام هزء وسخرية، يقول: لك أن تفتخر ببني معن، فإنهم في موضع ذاك، لكونهم مجمع الفضائل، لكن مباني الكرم تؤسس في غيرهم. ثم أقبل عليه فقال: أخبرني مت حدثت نفسك بأن تكون قائد طائفة من الناس فتقدمهم وتهديهم الطرق، وهو يطؤون عقبك، ويدورون على مرادك؛ لقد رأيت ما لم تؤمله، ونلت ما لم ترتق إليه همتك. والفجاج: الطرق. والمخارم: جمع مخرم، وهو منقطع أنف الجبل. وهذا مثل، أي تصرفهم حيث أردت، وتوجههم كيف شئت.
إذا ما ابن جد كان ناهز طيىء ... فإن الذرى قد صرن تحت المناسم
ابن جد يريد به صاحب جد وحظ في الدنيا. فيقول: إذا اتفق لمتقدم بنفسه مجدود، لاأولية له، خارجي، أن يكون ناهز طيىء، أي مدرهم وكبيرهم والذي ينهز الدلو من البئر، أي ينزعها، كأنه أراد: الذي يقوم بأمرهم عند السلطان، ويتنجز عليه حاجاتهم ومهماتهم، فقد اتقلب الدهر، وانحط الأعالي، وصارت الأشراف أذلاء، لأنه لا يتقدم الوضيع إلا بتأخر الرفيع. وحكى غير واحد من أهل اللغة أنه يقال: هو ناهز القوم، أي كاسبهم والساعي لهم. وقوله فقد بزمام استهزاء وإزراء بهم، وقلة احتفال، بتناول القبيح من ذكرهم. لذلك سمى السوءة من طرفيه. والفسل: الرذل. والفشل: الضعيف، وهما روايتان. وعاسم: موضع.
[وقال الكروس بن زيد]
ألا ليت حظي من عطائك أنني ... علمت وراء الرمل ما أنت صانع
فقد كان لي عما أرى متزحزح ... ومتسع من جانب الأرض واسع
وهم إذا ما الجبس قصر همه ... طلوع إذا أعيا الرجال المطالع